لحظة تسلّم رئيس مجلس النواب نبيه بري الورقة الفرنسية فضّل الاطّلاع عليها منفرداً في منزله. في اليوم الثاني أسرّ لمحيطيه بمضمونها السلبي. مجرد تسريب خبر إيكال مهمّة نقاشها ودراستها إلى المعاون السياسي النائب علي حسن خليل يعدّ موقفاً بذاته. أراد لبنان الرسمي القول إنّ الورقة الفرنسية باتت موضع نقاش قبيل ساعات حاسمة من المفاوضات الجارية لإعلان هدنة بشأن حرب غزة. منذ تبلّغها برّي ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي كان واضحاً أنّ مضمون الورقة سيصطدم بالرفض، خاصة أنّ الحزب حكم عليها بأنّها ورقة إسرائيلية لما تضمّنته من بنود تصبّ في مصلحة إسرائيل وليس لبنان.
بدأ الحراك الفرنسي تزامناً مع أجواء إيجابية بدأت ترشح عن مفاوضات وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل. قبل شهرين أرسلت حماس ورقة عبر المصريين تلقّت على إثرها رسالة من الأميركيين بأنّها ورقة إيجابية يمكن البناء عليها. وعلى هذا الأساس طلبت مصر زيارة وفد من حماس لمناقشة مضمون الورقة التي تضمّنت شروطاً فرعية وأخرى أساسية تتمحور حول وقف إطلاق النار والضمانات لذلك. بدأت تظهر إيجابية النقاشات بدليل ما قاله وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية أنتوني بلينكن من أنّ الكرة في ملعب حماس التي درست الموقف وقرّرت الردّ بالإيجاب على التعديلات الأميركية والإسرائيلية على الورقة الأولى.
قبول أم مناورة؟
قبلت إسرائيل وقف إطلاق النار والانسحاب من مناطق في غزة. تقول مصادر حماس إنّه لم يكن الأميركيون والإسرائيليون أقرب إلى تلبية مطالبنا أكثر ممّا هم اليوم. التشكيك في كون ذلك يمكن أن يكون موضع مناورة له أسبابه استناداً إلى التجارب السابقة.
في هذا الوقت كانت تتقاطع المعلومات من مصادر متعدّدة حول أنّ الأمور أكثر جدّية ممّا سبق وأنّ حماس ذهبت إلى المفاوضات بنفس إيجابي. وما تبلّغته هو أنّ وقف إطلاق النار سيتمّ، ولاحقاً سيتمّ الاتفاق على الضمانات وسنكون أمام هدنة لفترة 45 يوماً قابلة للتمديد وتنتهي بتسليم آخر رهينة إسرائيلية ثمّ وقف إطلاق نار مستدام. كلّ ذلك بدعم أميركي واضح. غير أنّ كلّ الأجواء الإيجابية لم تمنع الخوف من اللحظات الأخيرة قبل الإعلان.
وسط هذا المناخ زار الموفد الأميركي آموس هوكستين إسرائيل وتحرّكت المبادرة الفرنسية. قبل شهرين أرسلت فرنسا ورقتها. تجنّبت الحكومة الردّ فأوكلته إلى وزير الخارجية عبد الله بوحبيب الذي أعدّ نصّاً أُعيد تعديله في السراي الحكومي في ضوء التشاور مع الحزب. لم يأخذ لبنان الورقة الأولى في الاعتبار ولم تلتزم فرنسا ردّه، وخلال الاجتماع الذي جمع في الإليزيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تكرّر الحديث عن الورقة الفرنسية مجدّداً.
الورقة الفرنسية
يقول الفرنسي إنّ حراكه منسّق مع الأميركيين بينما لا يعير الجانب الأميركي ورقة فرنسا الأهمّية اللازمة.
لبنان لن يرفض الورقة الفرنسيّة
الرئيسان برّي وميقاتي من موقعهما اتّفقا على عدم رفض الورقة الفرنسية والاكتفاء بالقول إنّها موضع نقاش وتشاور تجنّباً لصدّ الباب في وجه الفرنسيين. رسمياً أرسلت فرنسا الورقة إلى الرئيسين بري وميقاتي، لكنّها لم تسلّم نسخة إلى الحزب الذي اعتبر نفسه غير معنيّ بمضمونها. استمهل بري الفرنسيين ثلاثة أيام للردّ. ينوي اقتراح تعديلات عليها بالصياغة والمضمون بما يعيد تصويب الأمور ويتناسب والموقف اللبناني الرسمي من المسائل التي وردت في نصّ الورقة.
حسب المعلومات فإنّ الورقة الفرنسية المكتوبة باللغة الإنكليزية تتحدّث في مقدّمتها عن ترتيبات أمنيّة بين لبنان وإسرائيل وتنصّ على ما هو مطلوب من قوات اليونيفيل ومن إسرائيل ومن “الجماعات اللبنانية المسلّحة”. في البند المتعلّق بإسرائيل تكتفي بالقول إنّ المطلوب من إسرائيل وقف الطلعات الجوّية بينما المطلوب من لبنان عدم عرقلة دوريات اليونيفيل وإرسال الجيش اللبناني إلى الحدود وأن تتحمّل اليونيفيل مسؤولية سدّ احتياجاتهم من المأكل والمشرب والمازوت.
كما تنصّ على أنّ المطلوب من الحزب سحب قوات الرضوان إلى عمق 10 كيلومترات وتفكيك الخيم والأبراج وتحديد منطقة عازلة من الليطاني إلى الخطّ الأزرق يمنع الظهور المسلّح على امتدادها، ثمّ تتحدّث الورقة عن استئناف المفاوضات اللبنانية الإسرائيلية في الناقورة.
من جانب الحزب فإنّ مجرّد الحديث عن انسحاب قوات الرضوان أمر غير وارد، ذلك أنّ قوات الرضوان هم من أهالي المنطقة فهل المطلوب إخلاء القرى من أهلها؟ كما أنّ تحرّك اليونيفيل من دون تنسيق مسبق مع الجيش اللبناني أمر مرفوض بالمطلق وسبق أن رفضته اليونيفيل التي طالبت التنسيق مسبقاً مع الجيش لضمان سلامة جنودها.
نسبة لما ورد فيها فإنّ الورقة الفرنسية مرفوضة بالكامل جملة وتفصيلاً، لكنّ الواجب القول إنّها موضع دراسة بحيث يتمّ إخضاعها لتعديلات تعيد تصويب الأمور إن لناحية اليونيفيل أو لناحية انسحاب الحزب والحديث عن منطقة عازلة. هي في التقويم اللبناني وبرأي الحزب على وجه الخصوص ورقة إسرائيلية بالكامل، لكنّ فرنسا عرفت كيف تضمّنها نقاطاً تجعلها موضع قبول حيث نصّت في سياق بنودها على موضوع مساعدة لبنان وحلّ أزمته الاقتصادية ولحظت المساعدة على إعادة إعمار الشمال الإسرائيلي وجنوب لبنان. إنّها سياسة العصا والجزرة.