كتب جورج شاهين في جريدة “الجمهورية”:
تتجّه الأنظار لساعات قليلة إلى مملكة البحرين التي تستضيف اليوم القمة العربية الدورية الـ 33، وإن قلّ الحديث عنها فلأنّها جاءت عقب مسلسل القمم التي استضافتها السعودية، واستحقت في توقيتها على وقع حرب غزة بأن تكون «قمّة اليوم التالي» للنكبة في ذكراها الـ 76. وعليه ما هي حصة فلسطين منها؟
من المقرّر ان يتسلّم ملك البحرين حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة اليوم رئاسة القمة الدورية العربية السنوية من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ليتولّى المهمّة طيلة أعمال الدورة السنوية الـ 34 المقبلة. وهي مهمّة انتدبت المملكة نفسها لها في توقيت صعب يشهد فيه العالم العربي ودول مجلس التعاون أخطر المراحل المتصلة بقضية العرب الأولى أن استعادت فلسطين موقعها كقضية «العرب الأولى» بلا أي منازع مهما تعددت الحروب البينية في ما بينهم وهدرت الثورات التي اندثرت لأكثر من سبب وعلة.
وإن لم تندمل بعض الجروح العربية التي تنقلت بين دولهم منذ انطلاق ما سُمّي «الربيع العربي» قبل عقد ونصف تقريباً انطلاقاً من تونس (2005) وليبيا (2011) ومصر (2012) بعد حرب العراق (2003) وقبل اندلاع مثيلاتها في سوريا (عام 2011) واليمن (عام 2015) وصولاً الى الحرب التي اندلعت في فلسطين التاريخية منذ 7 تشرين الأول الماضي وجنوب لبنان في 8 منه، فإنّ توقيت انعقادها في 16 ايار الجاري استدرج كثيراً من الديبلوماسيين والمراقبين إلى اعتبارها قمّة «اليوم التالي» للنكبة في فلسطين في ذكراها الـ 76 ربطاً بالنكبة التي وقعت في 15 أيار عام 1948 في اليوم التالي لإعلان قيام دولة إسرائيل وانتهاء الانتداب البريطاني قبل يوم واحد في 15 منه.
على هذه الخلفيات تستحق «قمة البحرين» ان تحمل مثل هذه التسمية، في وقت لا يمكن وحتى هذه اللحظة، تحديد شكل «اليوم التالي» للحرب في غزة في ظل التخبّط الاسرائيلي وتعدّد الرؤى التي تحاكي أي صيغة يمكن التوصل اليها لإنهاء الحرب فيها، والانتقال الى مرحلة ما بعد مسلسل الحروب الثلاثة التي استهلت في ما سُمّي حرب «طوفان الأقصى» وفق التسمية الفلسطينية التي اندلعت في ساعات الفجر الأولى من 7 تشرين الأول الماضي. وحرب «السيوف الحديدية» رداً عليها وفق التسمية الاسرائيلية التي أُعلن عنها بعد ساعات قليلة وقبل ليلة واحدة من الإعلان عن «حرب الإلهاء والإسناد» التي شنّها «حزب الله» من جنوب لبنان صباح 8 تشرين الأول عينه.
وبناءً على ما تقدّم فإنّ قمة البحرين يمكن ان تتحول مناسبة لتكشف عن رؤية العرب لـ«اليوم التالي» لهذه الحروب، وطي الصفحات السود التي لفّت العالم العربي منذ «يوم النكبة» نتيجة الخسائر التي منيوا بها في حروبهم المتتالية مع إسرائيل، والتي تعدّدت وتمّددت إلى ان شملت أراضي دول «الطوق» كاملة، بعدما وضعت اليد على أراضيهم. وقد كان ذلك قائماً لفترات متفاوتة قبل استعادة جزء من أراضيهم المحتلة (1973) بدءاً من سيناء المصرية وملحقاتها و»منتجعات طابا» وجزء آخر متواضع من أراضي الجولان السوري المحتل، بعدما اقتصرت على مدينة «القنيطرة» عاصمة المحافظة التي تحمل اسمها وبعض القرى المحيطة بها من تلك المنطقة.
وعليه، يضيف المراقبون الديبلوماسيون أنّ «قمة البحرين» قد تشكّل المناسبة المثلى لتغيير التفسيرات الملتصقة ببعض التواريخ، ومنها تاريخا إعلان الدولة الإسرائيلية والنكبة في ذكراهما الـ 76، إن نجح العرب اليوم في استغلال هذه القمة من أجل تثبيت الحق الفلسطيني بالدولة القابلة للحياة في الضفة الغربية وقطاع غزة كحل سياسي يعطي المعنى الجديد لـ«اليوم التالي» للعدوان عليهما، والاستفادة من التأكيدات الأميركية ومعها معظم دول العالم المنادية بـ«حل الدولتين» اللتين يمكنهما العيش معاً جنباً إلى جنب في ظل تفاهمات لا بدّ لإسرائيل من الإعتراف بها إن أرادت سلاماً دائماً وشاملاً وضمان عدم تكرار ما جرى في 7 تشرين الاول الماضي، إن بقي الشعب الفلسطيني محاصراً في أرضه وواقعاً في الظلم الذي لا يمكن ان يدوم.
وعليه، فإنّ في استطاعة «إعلان المنامة» المنتظر صدوره ان يحيي «اعلان بيروت» بعد 22 عاماً في نهاية القمة العربية الاستثنائية التي عُقدت في بيروت عام 2002 وأقرّت «مبادرة الملك عبدالله لحل الدولتين» تحت شعار «السلام الدائم مقابل الارض»، وانّ برامج التطبيع لن تُستكمل قبل البتّ بهذه المعادلة الجديدة وتثبيتها امراً واقعاً لا بدّ منه، لتشكّل المظلة الواقية والضامنة لأي وقف نار ثابت، يمكن ان يتحول دائماً ومستداماً بين الشعب الفلسطيني واسرائيل. ذلك انّ البت بالصيغ السياسية والادارية والجغرافية لن يكون معقّداً، إن اعترفت اسرائيل بعجزها عن الاستمرار في فرض احتلالها للأراضي الفلسطينية بكل اشكاله.
وما يبّرر هذه الخطوة ويقود اليها قد انطلق فعلاً قبل أيام. فمسلسل الإستعدادات للاعتراف الدولي بإمكان قيام «دولة فلسطين» ينذر بذلك. وما جرى في جلسة الجمعية العمومية للأمم المتحدة عند التصويت لمصلحة هذه الدولة، مؤشر مهمّ الى إمكان المضي بهذه الإجراءات التي حظيت بها إسرائيل قبل إعلان كيانها 1948 قبل 76 عاماً ويومين، ويمكن ان تتواصل هذه الممارسات إلى ان تتحول امراً واقعاً يغيّر في وجه المنطقة ويؤذن بإمكان استعادة «السلام المفقود» فيها وفق أسس واضحة ترضي الجميع وتضمن التوصل الى القواسم المشتركة التي يتحقق الإجماع من حولها.
عند هذه المعادلة التي يمكن ان تقود اليها «قمّة البحرين» توقفت المراجع الديبلوماسية عند إعلان رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أمس الاول، انّ «محادثات وقف إطلاق النار في غزة وصلت الى طريق مسدود»، وأنّ «عملية رفح أعادت الأمور الى الوراء». بفعل ما سمّاه عدم «الوضوح من جانب إسرائيل حول طريقة إنهاء الحرب». ولكنه انتهى الى التأكيد أنّه «يتعيّن أن تكون هناك حكومة فلسطينية واحدة في كل من الضفة الغربية وغزة بناءً على توافق فلسطيني»، وهو ما يحيي تفاهماً كان قد تمّ التوصل إليه بين الفصائل الفلسطينية في الدوحة في 15 شباط الماضي لتشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية، وهو ما ترجمه الرئيس الفلسطيني محمود عباس في 31 آذار الماضي بالإعلان عن الحكومة الفلسطينية الجديدة في حضور غزاوي لافت تمهيداً لإدارة الاراضي الفلسطينية المحرّرة، إن اكتملت الصورة في هذا الإتجاه.