المواد الكيماوية في معمل الزوق: غير متفجّرة ولكن

لم يكن ينقص معمل الزوق سوى تخزين مواد كيميائية ليخيم شبح انفجار المرفأ على جيرانه إلى جانب شبح السرطان المقيم بينهم. منذ نحو شهرٍ، توجِّه بلدية الزوق كتباً إلى شركة كهرباء لبنان للاستعلام عن وجود مواد كيميائية في المعمل، و«تحديد نوعها وكمياتها وطريقة تخزينها»، مطالبة «بإرسال دراسات علمية تثبت أن هذه المواد غير خطرة وغير قابلة للاشتعال أو للانفجار بالوضع المخزنة به». غير أن مؤسسة كهرباء لبنان اكتفت ببيانٍ مختصرٍ بأن «المواد الكيميائية الموجودة في معمل الزوق الحراري، وفقاً لإفادة الجهات الأمنية ولإفادة شركة Combi Lift الألمانية المتخصصة بتلف المواد الكيميائية، هي مواد غير قابلة للاشتعال أو الانفجار، وبالتالي لا تشكل أي خطر على السلامة العامة في المعمل ومحيطه».
وبعدها «لا حس ولا خبر»، وفقاً لرئيس البلدية الياس البعينو الذي أرسل إنذاراً أخيراً إلى المؤسسة مطلع الشهر الجاري، مطالباً «بتقديم المستندات المطلوبة والإسراع في ترحيل المواد المتفق على ترحيلها وإلا اضطرت البلدية إلى اتخاذ الإجراءات كافة التي تراها مناسبة لمنع وقوع أي ضرر على أبنائها»، مستنداً إلى كشفٍ قامت به عضو بلدية زوق مكايل الدكتورة في الكيمياء ناتالي فرح، التي أعدت تقريراً مفصلاً عن المواد المخزنة انتهى إلى خلاصتين أساسيتين، أولاهما «مطمئنة»، بحسب البعينو، وهي «التزام البعد الجغرافي بين كثير من المواد عبر وضع مادة الـacide chlorydrique الخطرة في غرفة والـamoniaque في غرفة أخرى، كما أن المستودعات بالإجمال مقفلة وتراعي شروط الحرارة والإضاءة والرطوبة والتهوئة».

لكن، في المقابل، ثمة جانب آخر غير مطمئن أشار إليه التقرير لناحية «الحاجة إلى توضيب أكياس الـhydroxyde de sodium في مستوعبات من polyethylene، خصوصاً أنها معرّضة للرطوبة بشكل كبير ما قد يؤدي إلى اشتعالها في لحظة غير مؤاتية، مع ضرورة تغليف أكياس acide sulfamique بسبب تسرّب الاهتراء إليها والخوف من الاقتراب من مواد أخرى». كما لفت تقرير فرح إلى وجود «سبعة أطنانٍ من amoniaque liquide في غرفة معزولة من دون مراعاة شروط التخزين لناحية التبريد، فحرارة الغرفة غير مؤاتية، إذ إن هذه المادة تتبخر على حرارة 37.4 وهي حرارة يسهل تخطّيها صيفاً في زوق مكايل (…) علماً أن الغاز المتبخّر شديد الاشتعال». وهو ما أشارت إليه أيضاً أستاذة الكيمياء الحية النائبة نجاة صليبا عقب جولة قامت بها في المعمل، إذ أشارت إلى وجود «مواد خطرة غير متفجرة يجب أن توضب، بعضها تم توضيبه سابقاً والبعض الآخر مرميّ على الأرض والمفروض توضيبه وشحنه بأسرع وقت ممكن لأنه يشكل خطراً على السلامة العامة وعلى سلامة العاملين الذين يتنشقون هذه المواد يومياً».

ورغم خلوّ المواد من مادة نيترات الأمونيوم التي تسببت في كارثة مرفأ بيروت، تتباين تقديرات الأطراف المعنية للخطر. ففيما تخشى البلدية من «انفجار»، وتحذر صليبا ووزير البيئة ناصر ياسين من حريق، تؤكد مصادر وزارة الطاقة والمياه أن ما هو موجود «مواد كيميائية تستعمل في تشغيل المعمل، وكلّ منها له سمية معيّنة وطريقة تخزين تتمّ فيها مراعاة المطلوب»، مشيرة إلى أن «الشكوى اليوم هي من وجود مخزن حرارته مرتفعة، ويُفترض أن يُعمل على تزويده بنوع من التبريد كي تحلّ المشكل ولا خوف من انفجار». إلا أن مصادر متابعة تشير إلى أن «هناك مواد كيميائية قديمة لم تعد تستخدم اليوم لأن المعمل مطفأ، وعُقد اتفاق عام 2021 مع شركة TECMO اللبنانية الممثلة لشركة COMBILIFT الألمانية لترحيلها، وكان يفترض أن تستكمل الشركة ملفها منذ ثلاث سنوات لدى وزارة البيئة»، وهو ما يؤكده ياسين، مشيراً إلى أنه عندما يصبح الملف جاهزاً وتدرسه الوزارة يتم البت به، خصوصاً أن إجراءات الترحيل لا تجري بين ليلة وضحاها.

ورغم عدم وجود نيترات أمونيوم، ولا انفجار هائلاً، إلا أن المتخصصين يؤكدون أن هناك خطراً يستدعي ترحيل المواد بشكلٍ سريع، وبالتالي مساءلة شركة «تيكمو» عن سبب عدم إنهائها الملف رغم مرور ثلاث سنوات.

وقال الأستاذ والباحث في كلية الصيدلة في الجامعة اللبنانية علي جابر إن الخطر لا يتأتّى من وجود هذه المواد بحدّ ذاته، إذ إن بعضها يستخدم في أماكن كثيرة كالمختبرات والجامعات وغيرها، ولكنه «يكمن في الكمية الضخمة» من المواد القابلة للاحتراق (نحو 83 طناً). ويصنف الأخير المواد الموجودة في المعمل إلى نوعين، الأول يسهل التعامل معه «ويشمل المواد القلوية (potassium hydroxide مثلاً) التي يمكن أن تدخل في صناعات مثل صناعة الصابون»، أما الثاني، فهو الخطر، ويشمل «الأحماض مثل acide chloridryque. فهذه المواد إذا لم توضب وفقاً للشروط العلمية، يمكن أن تتحلل وتصدر غازات قد تتسبب في أزمة». كما أن «carbo hydrazide مثلاً، الذي يستخدم وقوداً للطائرات يمكن أن يتسبب في انفجار مع الحرارة. وهنالك الـ amonia الذي يستخدم في صنع المتفجرات، وهو الأشد خطورة إذا ما تسرب». وبحسب جابر، تسببت هذه المواد (الأحماض) في انفجارين في فرنسا، أحدهما في مصنع للأدوية والثاني في مصنع للأغذية. لذلك، إن أي خطأ، سواء أكان عاملاً طبيعياً أم غيره، يمكن أن يتسبب في انفجار. ورغم أن جابر يطمئن إلى أن أي انفجار لا يمكن أن يقارن بقوة انفجار المرفأ، إلا أنه «يمكن أن يتسبب في انتشار سموم». وثمة جانب آخر يتطرق إليه جابر، لا تلتفت إليه لا مؤسسة كهرباء لبنان ولا غيرها من المعنيين، تتعلق بسلامة العاملين في المعمل، متسائلاً عما إذا كان هؤلاء قد خضعوا لدوراتٍ، وما إذا كان هناك إجراءات حماية لهم ويخضعون لفحوص دورية، لأن الخطر الأكبر هو على هؤلاء الذين يتعرضون بشكلٍ يومي لسموم تلك المواد.

قرر مجلس الوزراء في جلسته أمس الطلب إلى وزارة الطاقة والمياه – مؤسسة كهرباء لبنان الإسراع في إجراءات تلزيم عملية التوضيب للمواد الكيميائية المنتهية الصلاحية المخزنة في معمل الزوق الحراري ونقلها وترحيلها عن طريق اتفاق بالتراضي. وطلب من الوزارة التنسيق مع الوزارات والإدارات المعنية، ولا سيما وزارة البيئة لتزويدها بكامل ملف التصدير والمستندات المطلوبة للتخلص بشكل سليم بيئياً من تلك المواد بحسب الأصول. إذ لا يمكن ترحيل المواد إلى خارج لبنان من دون التنسيق المسبق مع السلطات المعنية في البلد المرغوب ترحيلها إليه، وبالتالي يستلزم الأمر مراسلة وزير البيئة لهذه السلطات حول طبيعة المواد لنيل الموافقة قبيل التلزيم. كذلك كلّف مجلس الوزراء قيادة الجيش نقل المواد الخطرة «بشكل فوري إلى مكان آمن غير مأهول بانتظار ترحيلها». وهذه المسألة كانت محور أخذ ورد خلال المداولات بين الوزراء بين من يراها لا تشكل خطراً لناحية كونها غير متفجرة بحسب التقارير المعدّة من الجيش وبالتالي يمكن إبقاؤها إلى حين إتمام عملية التلزيم، وبين من يريد نقلها إلى مكان غير مأهول إلى حين التخلّص منها.

اترك تعليق