أوصى تقرير لمعهد واشنطن الولايات المتحدة بوضع “قوات الفجر” الجناح العسكري للجماعة الإسلامية بلبنان على قائمة الإرهاب وذلك على خلفية عملياتها العسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي تضامنا مع عملية “طوفان الأقصى”.
وسلط تقرير للمعهد الضوء على الجماعة الإسلامية وهي تنظيم سياسي سني بلبنان وتعد من فروع جماعة الإخوان المسلمين حول العالم.
ويركز التقرير على التقارب الحاصل بين الجماعة الإسلامية وبين حزب الله على قاعدة دعم عملية “طوفان الأقصى”، في حين أن العلاقة بينهما ظلت متوترة على خلفية الخلافات العميقة بين الطائفة السنية وحزب الله خصوصا بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وبعدها الاصطفافات التي فرضتها الثورة السورية، حيث دعمت الجماعة الإسلامية الثورة على نظام بشار الأسد، فيما انخرط حزب الله بقوة في التصدي للثورة ودعم قوات الأسد.
ويخشى التقرير من استغلال حزب الله لهذه العلاقة لتطوير علاقته مع الطائفة السنية خصوصا بعد الفراغ القيادي الذي تعاني منه بعد انسحاب سعد الحريري من الساحة السياسية عام 2019.
وبحسب التقرير فإن “قوات الفجر” تضم حالياً حوالي 500 مقاتل، لكن الأهمية الأساسية للجماعة لا تكمن في قدراتها العسكرية أو ترسانتها. بل بالأحرى في الأهمية الحاسمة لها ولجناحها المسلح لكل من حماس وحزب الله لأنهما يوفران غطاءً لبنانياً جيداً، ويسمحان باعتماد تكتيك الإنكار المعقول بشأن بعض الهجمات، ولديهما وصول أكبر إلى المجتمع السنّي في البلاد.
وتأسست الجماعة الإسلامية في عام 1964 وقامت بتشكيل “قوات الفجر” رداً على الغزو الإسرائيلي في عام 1982. وعلى مدى عقود بعد ذلك، عكست مواقفها وتحالفاتها إلى حد كبير تلك التي تبنتها فروع جماعة الإخوان الإقليمية الأخرى. فعلى سبيل المثال، خلال الثورة السورية في عام 2011، كان لدى الجماعة خلاف جدي مع «حزب الله» حول دعم الأخير لنظام الأسد، الأمر الذي عكس دعم الإخوان المسلمين للمعارضة السنّية في سوريا.
ولكن في الآونة الأخيرة، تحوّلت الجماعة الإسلامية نحو تحالف سياسي قوي مع حزب الله و”حماس” – في نزعة ظهرت قبل فترة طويلة من إعادة تفعيل «قوات الفجر» خلال الحرب الحالية في غزة. وبدأ ذلك في عام 2022 عندما قاد محمد طقوش جهود إقامة تحالف رسمي مع محور حزب الله و”حماس”، بعد فوزه بالانتخابات الداخلية للجماعة.
وفي العام نفسه، أفادت بعض التقارير بأن الجماعة الإسلامية فازت بـ 22,978 صوتاً في الانتخابات النيابية اللبنانية، مقارنة بـ 11,442 صوتاً في عام 2018. واستمرت شعبية الجماعة في النمو مؤخراً بسبب الحظوة التي اكتسبتها “حماس” بعد هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
جاءت أولى بوادر إعادة تفعيل “قوات الفجر” في 18 تشرين الأول/ أكتوبر، عندما أعلنت هذه القوات أنها هاجمت شمال فلسطين المحتلة “رداً على العدوان الصهيوني الذي طال ويطال أهلنا في الجنوب اللبناني من مدنيين وصحفيين وقد أسقط منهم عدداً من الشهداء والجرحى، فضلاً عن قصف المنازل والمساجد وتدميرها”. ومنذ ذلك الحين، أعلنت عن هجمات أخرى ضد أهداف مثل مستوطنة كريات شمونة.
ويزعم التقرير أن الحرب شهدت أيضاً محاولة للاندماج مع حركة حماس ومحور المقاومة الأوسع نطاقاً، مستندا في ذلك على عدة صياغات وردت في بيان الجماعة، فبعد استشهاد القيادي البارز في “حماس” صالح العاروري في كانون الثاني/ يناير الماضي في غارة إسرائيلية في بيروت، جاء في بيان التعزية الصادر عن الجماعة أن “الدم اللبناني والفلسطيني امتزجا ليكملا معاً مسيرة التحرير”. وقد تعزز هذا التكامل بشكل أكبر عندما أصدرت الجماعة الإسلامية مذكرة استشهاد لأحد أبرز قيادات قوات الفجر شرحبيل علي السيد في 18 أيار/ مايو، مشيرة إلى أنه كان قائداً لكل من “قوات الفجر” و”كتائب عز الدين القسام” بلبنان.
ويستمر التقرير في تتبع إشارات يزعم أنها أدلة على محاولات الاندماج، حيث إنه يشير إلى بيان التعزية الذي أصدرته الجماعة الإسلامية بعد مصرع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في حادثة المروحية، وكذلك إلى استضافة زعيم الجماعة طقوش للمستشار الثقافي الإيراني مرتين هذا العام إلى جانب مسؤولين من «حركة أمل» الشيعية في كانون الثاني/ يناير، و«حزب الله» في آذار/ مارس.
ومع استمرار نمط الهجمات الصاروخية من «قوات الفجر» والردود الإسرائيلية في الأشهر الأخيرة، فقد أصدرت «الجماعة الإسلامية» المزيد والمزيد من بيانات الشهادة، الأمر الذي مكّنها من استغلال التعاطف الواسع النطاق مع هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر. وحوّلت الجماعة مؤخراً تشييع واحد من شهدائها على الأقل إلى عرض عسكري وسياسي. وكان الهدف من ذلك الاستعراض للقوة هو تعزيز جهود تجنيد الجماعة للشباب السنّة المتعطشين إلى زعامة أو انتماء أو هوية – على غرار الطريقة التي أشرك بها «حزب الله» الشباب الشيعة في ثمانينيات القرن العشرين، وإن كان ذلك على نطاق أصغر.
ويحذر التقرير مما أسماه هيمنة حركة حماس على الجماعة الإسلامية، ويقول إن ذلك سيؤدي إلى مساعدة حزب الله بشكل كبير في التغلغل داخل المجتمع السنّي في لبنان، وهو الهدف الذي سعى إليه قادة حزب الله لسنوات -على حد زعم التقرير- لا سيما منذ أن كشفت انتخابات عام 2022 عن ضعف حليفهم المسيحي جبران باسيل. ولأسباب انتخابية وسياسية، فإنه لطالما حاول حزب الله أن يمنح نفسه غطاءً غير شيعي من خلال استمالة الطوائف الأخرى. ونظراً لخسارته التدريجية للمجتمع المسيحي، فإن الحزب يحرص الآن على استغلال ضعف الشارع السنّي.
وبحسب التقرير فإن الجماعة الإسلامية لا تتمتع حاليا بالقوة الكافية لدعم مسعىً واسع النطاق لحزب الله في هذه المجتمعات، ولكن الإمكانية قائمة. ومن خلال اللعب على وتر التعاطف السنّي مع غزة واستغلال حاجة شمال لبنان إلى المساعدة المالية، فإن بإمكان “حماس” والجماعة الإسلامية أن تجدا آذاناً صاغية لرسالة حزب الله.
ويصف التقرير هذا التقارب بـ”الآثم”، ويدعي أنه يشكل اتجاهاً خطيراً يمكن أن يتنامى وسط الانهيار الاقتصادي الذي يبدو أنه لا يمكن إيقافه في لبنان، ما سيؤدي إلى المزيد من زعزعة الاستقرار.
ويوصي التقرير الحكومة الأمريكية بأن تأخذ هذا التهديد الناشئ، تحالف الإسلاميين السنة والشيعة، على محمل الجد.
ويركز التقرير في توصياته على ضرورة عودة الاهتمام السعودي بالساحة اللبنانية، ويزعم أن “انتشار التطرف السنّي” على نطاق واسع في لبنان سيؤدي حتماً إلى تغذية التطرف في جميع أنحاء المنطقة، ما يجعل القضية مسألة تتعلق بالأمن القومي السعودي.
ويزعم التقرير أن من شأن أي علامة على تجدد الاهتمام السعودي أن تسهم بشكل كبير في الحيلولة دون محاولة جهات مثل الجماعة الإسلامية وحركة حماس وحزب الله السيطرة على الوضع في المجتمع السني في شمال لبنان.