رغم تحذيرات السفارات الغربية وغيرها لرعاياها من السفر إلى لبنان، والتي انضمت إليها موسكو بحذر أمس، لاحتمال اندلاع حرب شاملة بين «حزب الله» وإسرائيل قد تكون شرارةً لحريق إقليمي واسع، كشف مصدر في «فيلق القدس»، الذراع الخارجية للحرس الثوري، والذي يشرف على الاتصالات بين إيران والولايات المتحدة للجم فتيل الحرب في لبنان، عن اختراق إيجابي تحقق في الأيام الأخيرة ضمن الجهود الأميركية لتجنيب المنطقة الأسوأ، لافتاً إلى أن الجانب الأميركي أبلغ طهران هذا التقدم في اتصالات جرت أخيراً.
وقال المصدر لـ «الجريدة» الكويتية، إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ربطت قضية الحرب في لبنان بموضوع وقف بعض شحنات الأسلحة لإسرائيل، وهو الأمر الذي كان في السابق مرتبطاً بالحرب في قطاع غزة، والذي أثار رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو فضيحة بالتحدث عنه «خارج الغرف المغلقة» الأسبوع الماضي، ما تسبب في توتر شديد بين واشنطن وتل أبيب، بل وبين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، الذي انتقد من العاصمة الأميركية الحديث عن هذه القضية علناً.
وأوضح المصدر أن الأميركيين ربطوا بين إعادة تسليم هذه الشحنات لإسرائيل بالحصول على ضمانات أنها لن تتسبب في حرب شاملة على لبنان تكون شرارة لحرب إقليمية، مضيفاً أن الجانب الأميركي طلب أيضاً من طهران أن تقوم بالمثل مع «حزب الله» لإجباره على خفض التصعيد.
وذكر أن الجانب الأميركي أكد أنه ليس لديه أي نية للدخول في حرب مع إيران ما لم تتعرض مصالحه لخطر مباشر من جانبها، مضيفاً أن الجانبين اتفقا على ضرورة أن يتجاوزا أي خطوة يمكن أن تؤدي إلى التصعيد والمواجهة بينهما.
وأشار إلى أنه خلال التواصل الأميركي ــ الإيراني الأخير، قال الأميركيون إن إسرائيل قد تقبل بحل دبلوماسي في حال قدمت ضمانات لسكان الشمال على قاعدة معادلة أمن سكان شمال إسرائيل مقابل أمن سكان جنوب لبنان، الذي عرضته طهران نيابة عن «حزب الله».
في سياق آخر، قال المصدر نفسه، إن طهران استضافت اجتماعاً غير معلن لقادة «جبهة المقاومة»، الثلاثاء الماضي، حضره قائد «فيلق القدس» إسماعيل قآني، تم خلاله التأكيد أن كل أطراف هذه الجبهة مستعدون لإرسال قوات إلى لبنان لمساندة «حزب الله» إذا اندلعت الحرب، لكن الشيخ هاشم صفي الدين رئيس المكتب التنفيذي للحزب وممثل الأمين العام لحسن نصرالله في الاجتماع، أكد أن حزبه لديه العدد الكافي من المقاتلين، لكن في حال تطورت المعركة قد يطلب الدعم إما بمدّه مباشرة بالمقاتلين، أو بإسناده بشكل غير مباشر عبر استهداف المصالح الإسرائيلية.
وفي بيروت، أكدت مصادر رسمية لبنانية، أن الرسائل الدولية التي أتت خلال الأيام القليلة الماضية تشير إلى إمكانية الحديث عن النجاح في احتواء التصعيد، ومنع توسع الجبهة لتتحول إلى حرب. وكشفت مصادر قريبة من «حزب الله» أنه لا يزال مطمئناً لعدم اتجاه الإسرائيليين نحو شنّ حرب أو توسيع المواجهات، خصوصاً أن المعطيات لدى الحزب تؤكد عدم جاهزية الجيش الإسرائيلي لذلك، كما أنه لم يتم استدعاء الاحتياط، وأن عدد الجنود الموجودين على الحدود مع لبنان يبلغ نحو 150 ألفاً، وبالتالي هذا عدد غير كاف لشن هجوم، بل هذا العدد مخصص للدفاع فقط.
وتتحدث أوساط في بيروت عن تضارب في التقديرات بين مَن يعتبر أن نتنياهو سيعلن في كلمته أمام الكونغرس الأميركي الشهر المقبل انتصاراً غير مكتمل على حركة حماس في غزة، والانتهاء من العمليات البرية، لكن بدون إعلان وقف الحرب أو وقف إطلاق النار، وأنه سيحاول بعدها التحشيد السياسي الأميركي للحصول على ضوء أخضر أميركي للشروع في توسيع عملياته العسكرية ضد «حزب الله» وسيبدأ بعمليات تصعيدية.
وفي المقابل، هناك تقديرات أخرى تفيد بأنه مع وقف الحرب البرية في غزة فإن وتيرة المفاوضات السياسية والبحث عن حل دبلوماسي وسياسي للوضع مع لبنان ستتسارع للوصول إلى نتيجة.
وفي حين نقلت صحيفة «إسرائيل هيوم» العبرية عن مراقب الدولة قوله في رسالة لنتنياهو، إن إسرائيل ليست مستعدة للحرب في الشمال، ذكرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية أنه بغض النظر عن نتيجة الجهود الدبلوماسية لمنع الحرب فإن تل أبيب حققت أحد أهدافها من الآن، إذ تمكنت من فرض، عبر القوة النارية، منطقة أمنية عازلة بعمق 5 كيلومترات على الحدود مع لبنان هي بمنزلة «منطقة ميتة» غير صالحة للسكن.