زحمة دولية وإقليمية تسعى الى لعب دور على الساحة اللبنانية، لوقف الحرب أولاً، وللحضور والتأثير في مرحلة ما بعدها. لذا، يشهد لبنان زحمة مفاوضين غربيين وعرب يتقاطرون إلى بيروت سعياً وراء لعب دور في إنجاز التسوية المأمولة.
مصر وقطر
ومن يلعب دوراً في حرب غزة سعياً وراء وقفها، لا يمكنه إلا أن يفكر في لعب دور على الساحة اللبنانية. وهنا برز الدور المصري عبر الجامعة العربية، لا سيما أن المصريين كانت لديهم علاقة أمنية مع حزب الله، وهم يريدون إعادة تفعيلها، انطلاقاً من دورهم في غزة، وتحضيراً للمرحلة المقبلة في لبنان، وانطلاقاً من التقارب مع إيران.
بالطبع، لا يمكن إغفال الدور القطري. فلقطر دور أساسي في غزة، وكان لديها مساع رئاسية في لبنان، تطورت بناء على طلب أميركي للعب دور في مسألة الجنوب وتطبيق القرار 1701. وفي هذا السياق فإن مسؤولاً قطرياً يتفاوض مع المسؤولين اللبنانيين حول صيغة المرحلة المقبلة، مع اعتبار أن تسوية الوضع في الجنوب ستكون مرتبطة بتسوية سياسية ورئاسية.
فرنسا وألمانيا
فرنسا أيضاً إحدى الدول المعنية بلبنان، وتحاول التقدم بمبادرات عديدة، حول الجنوب وحول الوضع الرئاسي. علماً أن فرنسا كانت قد تقدمّت بمبادرة منذ العام 2020، ولكن حتى الآن لم يتحقق منها شيء. يتواصل الفرنسيون مع الأميركيين. وفي هذا الإطار، تأتي زيارة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين إلى باريس للقاء المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان، بعد زيارة الأخير إلى واشنطن. الهدف من ذلك هو التنسيق ومحاولة فرنسا لوضع صياغة مشتركة مع واشنطن. وتستند باريس في ذلك على تجربتها في القرار 1701 وفي تفاهم نيسان 1996.
ألمانيا، إحدى الدول التي دخلت مجدداً على خطّ معالجة الأزمة، منذ زيارة وزيرة الخارجية، وزيارة رئيس المخابرات الألماني، الذي التقى بنائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، وذلك للبحث في سبل خفض التصعيد، وسط معلومات تؤكد أن ألمانيا تنسق مع واشنطن. وهناك تفاهم بين الجانبين على الخطوات التي يجب اتخاذها في لبنان. كما أن هناك رهاناً على دور ألماني في المرحلة اللاحقة بعد وقف إطلاق النار والتجديد لقوات اليونيفيل، بأن يتولى مراقبون ألمان مراقبة تطبيق القرار، وعدم بروز أي مظاهر مسلحة في الجنوب. كل هذه المساعي والمبادرات لا بد لها أن تصب عند الأميركيين والمبعوث آموس هوكشتاين.
ثلاثة تجارب
هناك 3 تجارب ناجحة بالنسبة الى إيران وحزب الله بما يتصل بمبادرات دولية. هذه التجارب هي مع أميركا-هوكشتاين، ألمانيا، وقطر. فتجربة هوكشتاين نجحت على خط ترسيم الحدود البرية، ولا تزال مساعيه ناجحة في احتواء التصعيد وإقناع الإسرائيليين بعدم شن حرب واسعة على لبنان. الاختلاف الوحيد مع هوكشتاين ليس على بنود المبادرة وتفاصيلها، بل على توقيتها الذي يرتبط بوقف حرب غزة، وبعدها يمكن للاتفاق أن يسلك طريقه إلى التطبيق. وعلى عكس الوضع في غزة حيث يتركز الخلاف حول الاتفاق النهائي أو اليوم التالي ومن سيتولاه.. في لبنان، اتفاق الإطار موجود استناداً الى القرار 1701 ويمكن العودة الى تفاهم نيسان 1996 كمرجعين يمكن الإستناد إليهما.
أما التجربة مع ألمانيا، فتعود إلى نجاح برلين في رعاية مفاوضات غير مباشرة في محطات كثيرة بين الحزب واسرائيل، كمثل إطلاق سراح الأسرى بعد حرب تموز، بالإضافة إلى دور ألمانيا في الوصول إلى وقف الحرب وخفض التصعيد وإرساء الاستقرار في تلك الفترة، من خلال عمل اليونيفيل.
أما قطر فلها تجارب ناجحة مع الحزب أيضاً، منذ إعمار الجنوب والضاحية في العام 2006، وصولاً إلى اتفاق الدوحة 2008. كما لديها تجارب ناجحة كثيرة مع إيران، خصوصاً حول الملف النووي أو التنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية.
عملياً، فإن حزب الله وإيران يعتبران أن لا أحد قادر على حلّ أي معضلة وإنتاج أي اتفاق إلا من خلال الولايات المتحدة الأميركية، وأن أي تحرك للقوى الأخرى لا بد أن يكون قائماً على مرتكزات أميركية، ما يعني التنسيق بين ألمانيا وأميركا، أو قطر وأميركا، أو فرنسا وأميركا، ولكن في المقابل فمن مصلحة حزب الله استقبال كل هذه الوفود لتوكيد مشروعيته على المستويين الإقليمي والدولي، ولتكريس نفسه مفاوضاً أساسياً عن كل الملفات.