قال مساعد وزير الخارجية الأميركية السابق لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر، في حديث خاصّ لـ”النهار” إنّ “إسرائيل وحزب الله لا يسعيان إلى الحرب. بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، وعندما سرقت حركة حماس صفحة من خطّة حزب الله الحربية، قرّرت إسرائيل أنها لم تعد قادرة على التسامح مع الوضع الراهن الذي يعيش فيه نحو 10 آلاف من قوّات الرضوان التابعة للحزب على طول حدودها. من جانبه، بعد سنوات من الخدمة كفيلق أجنبي لإيران في سوريا والعراق واليمن، رأى حزب الله من الضروري أخيراً محاربة إسرائيل مرّة أخرى، فانخرط في مقاومة أداء ضدّ العدوّ”.
ويرى شينكر أنّ “التبادلات تصاعدت بشكلٍ كبير. يقول الحزب إنّه لن يوقف عملياته حتى يكون هناك وقف للنار بين إسرائيل وحماس. وتعتزم إسرائيل إنهاء العمليات القتالية الكبرى في غزة في الأسابيع المقبلة، ولكن من غير المرجّح أن يكون هناك وقف إطلاق نار رسمي. حين تتراجع إسرائيل عن عملياتها العسكرية في غزة، فإنّ الكرة ستصبح في ملعب حزب الله. فإما أن يوقف ناره ويدخل في مفاوضات فصل القوات، وإما أن تكون هناك حرب. وفي حين أنه من الممكن أن يتوصّل الحزب وإسرائيل إلى تفاهم هادئ – مثل الصفقة التي توسّط فيها وزير الخارجية وارن كريستوفر عام 1996 في أعقاب عملية “عناقيد الغضب” الإسرائيلية – فإنّ الوقت ينفد. من شأن الحرب أن تلحق خسائر فادحة بكلّ من إسرائيل ولبنان، ولكن يبدو أنّ “حزب الله” ورعاته في طهران مرتاحون إلى معركة الاستنزاف الحالية المتوسّطة الشدة. لن تتسامح إسرائيل مع هذا الوضع إلى ما لا نهاية”.
وبشأن سعي واشنطن إلى حلّ ديبلوماسيّ يكبح جماح الصراع بين “حزب الله” وإسرائيل لتجنيب لبنان الحرب الشاملة، يلفت شينكر إلى أنّ “المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين طرح اقتراحاً يمكّن الطرفين من إعلان النصر، وتأخير الحرب موقتا على الأقل. سوف “يحرّر” فريق حزب الله الأراضي اللبنانية على طول الخط الأزرق – بما في ذلك قرية الغجر – من خلال مفاوضات تتم عبر الوساطة، وستحصل إسرائيل على موافقة الحزب على سحب تشكيلاته العسكرية على بعد كيلومترات حدوديّاً، ممّا سيسمح لـ70 ألفًا من مواطنيها النازحين بالعودة إلى ديارهم. هناك قليل من الثقة بأنّ هذا الاتفاق سيدوم، لكنّه من شأنه أن يؤخّر ما قد يكون بلا شكّ حريقاً مكلفاً للغاية. من الممكن أن تنجح الجهود الأميركية والفرنسية، لكنّ الوقت قصير”. وعن تعامل لبنان الرسمي مع الوضع جنوب لبنان، يردف أنّ “الدولة اللبنانية هي قناة المفاوضات غير المباشرة بين إدارة الرئيس جو بايدن وحزب الله. في الواقع، الدولة ليست ذات أهمية. وما قاله الرئيس نجيب ميقاتي في تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي يبقى صحيحاً اليوم في ما يتعلّق بأمور الحرب والسلام لناحية أن هذه القرارات ليست في يده”.
هل لا يزال القرار الدوليّ 1701 يشكّل الحلّ على الحدود بين دولة لبنان ودولة إسرائيل؟ يجيب شينكر: “كان قرار مجلس الأمن رقم 1701 مبادرة حسنة النية ولم تنفّذ. ومن غير المرجّح أن ينفّذ القرار الآن. لم يكن الـ1701 “حلاً”، لكنّه احتوى على بعض البنود التي كان يمكن أن تؤدي إلى تهدئة التوترات على طول الحدود. في نهاية المطاف، فإنّ وجود فريق من “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني (أيّ حزب الله) المنتشر على حدود إسرائيل لا يشكّل وصفة للسلام والهدوء”.
وحيال استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية والمؤهّلات الأهم للرئيس اللبناني والتحديات، يشير شينكر من نقطته كمراقب إلى أنّ “لبنان دولة فاشلة. ليس فقط لأنّ الدولة ليست ذات سيادة. ذلك لأنّ الدولة في حاجة ماسّة إلى الإصلاح، والطبقة السياسية لم تكن على مستوى هذه المهمة. رفَضَ آخر رئيس للبنان تنفيذ الإصلاحات، الرئيس اللبناني المستقبلي، اعتماداً على هويته، قد يتجنّب الإصلاح أيضاً. للمضيّ قدماً، على الأقل، سيكون من المهم للبنان أن يكون لديه رئيس يحظى بثقة معظم اللبنانيين، لديه رؤية للمستقبل، وليس مديناً بالفضل لحكومات أو ميليشيات أجنبية. نظراً إلى المخاطر التاريخية المرتبطة بهذا المنصب – خصوصا إذا كان الرئيس يقدّر السيادة اللبنانية – فإنّ الشجاعة تكون أيضاً شرطاً أساسياً”. لا يغفل أنّ “ست سنوات أخرى من وجود رئيس يوالي سوريا وإيران وصديق لـ”حزب الله” من شأنها أن تزيد تقويض الآمال في سيادة لبنان وازدهاره. في الأساس، فإنه يعني المزيد من الشيء نفسه”.
في استنتاج ديفيد شينكر، إنّ “حزب الله يهيمن على لبنان، وبالتالي سيكون، يا للأسف، هو صاحب القرار في قضايا الحرب والسلام. لكنّ السلطات اللبنانية والسياسيين يمكن أن يكون لهم تأثير على مسائل أخرى ذات أهمية. ويجب أن يكون الإصلاح الاقتصادي أولوية، وكذلك محاربة الفساد. على أولئك الذين يعارضون المسار الحالي للدولة تحت سيطرة حزب الله أن يضعوا الخلافات التافهة جانباً ويحاولوا العمل معاً لتحقيق المصالح المشتركة. الآن ليس الوقت المناسب للعمل كالمعتاد”.