لا يَنقص حكومة الرئيس نجيب ميقاتي سوى استقالة وزير في حكومة مستقيلة تصرّف الأعمال وكان الرئيس السابق ميشال عون أصدر قبل يوم واحد من مغادرته القصر الجمهوري في 30 تشرين الاول 2022 مرسوماً باعتبارها… مستقيلة من باب الحصار السياسي عليها. استفزّ الإجراء يومها الرئيس ميقاتي، كونه سابقة تحصل للمرة الأولى، ورأى أن لا “قيمة دستورية له قد تنعكس سلباً على وجوب تصريف الأعمال إضافة إلى ممارسة جميع ما يفرضه عليها الدستور من موجبات”!
وفق معلومات “أساس” أي استقالة محتملة من قبل وزير المال يوسف خليل لن تكون خلفيتها صحّية إطلاقاً، بل ربما… نفسية. الرجل، وفق مصادر موثوقة، يتعرّض لحصار بالكامل من قبل الفريق الحاكم السابق في وزارة المال وذلك منذ تعيينه وزيراً للمال.
الأداة التنفيذية لخليل في الوزارة هو حسن مزيحم ابن القاضي ماجد مزيحم الذي عيّنه وزير المال خليل مستشاراً له، ثم ما لبث أن تمّت “السيطرة عليه” في مقابل قصقصة جوانح مديرة مكتب وزير المال السابق غازي وزني الدكتورة نزيهة الأمين التي تعرف بأنّها نظيفة السمعة.
وفق معلومات “أساس” أي استقالة محتملة من قبل وزير المال يوسف خليل لن تكون خلفيتها صحّية إطلاقاً، بل ربما… نفسية
كما أنّ العديد من القرارت تقطع من فوق رأس مدير عام المالية بالوكالة جورج معرّاوي وتصل إلى مكتب الوزير للتوقيع فقط!
تهديد بالاستقالة
هدّد وزير المال في الكواليس أكثر من مرة بتقديم استقالته رفضاً لهذا الحصار، لكن يوسف خليل لا يبدو على “قدّ كلمته”. فالضغوط تحاصره أيضاً لمنعه من الاستقالة حيث يوجد ضمن فريق عين التينة من يرى أنّه الوزير المناسب في الوقت المناسب بسبب سهولة تطويقه.
فعلياً، تقديم استقالة وزير المال لا تفتح الباب أمام تعيين وزير مال جديد بل الخيار الآخر هو “الوزير البديل” محمد بسام مرتضى الذي سيصعب السيطرة عليه كما الحال مع الوزير الحالي إذ وفق المرسوم 8382 الذي يُحدّد الوزراء البدلاء عُيّن وزير الثقافة محمد بسام مرتضى وزيراً بالوكالة عن وزير المال في حال عدم تمكّنه من القيام بواجباته الوظيفية او الاستقالة أو الإقالة.
قبل نهاية ولاية الرئيس عون كانت رياح التغيير قد هبّت على الحكومة عبر محاولة النائب جبران باسيل إجراء تعديلات على فريقه الوزاري لكنها لم تصل إلى مكان
حكومة ميقاتي صامدة
ربطاً بتطوّرات الأزمة السياسية والمالية منذ 2022 “شَطحت” حكومة ميقاتي المستقيلة كثيراً في ممارسة هذه “الموجبات” التي تحدّث عنها ميقاتي وبجّتها حين أقدمت على تجاوز توقيع وزير الدفاع وتجاوز حدود تصريف الأعمال بتعيين رئيس أركان بقرار وزاري من دون إصدار مراسيم التعيين الثلاثة. وكادت أن تكرّرها من خلال التوقيع على قرار إعلان أسماء الناجحين في مباراة الكلّية الحربية قبل أن تبتّ التسوية الهشّة بين وزير الدفاع وقائد الجيش.
قبل نهاية ولاية الرئيس عون كانت رياح التغيير قد هبّت على الحكومة عبر محاولة النائب جبران باسيل إجراء تعديلات على فريقه الوزاري لكنها لم تصل إلى مكان. بعد ذلك دخلت الحكومة نفق تصريف الأعمال “المَحشو” بقرارات توحي وكأن رئيس الجمهورية “حاضر ناضر” على طاولة السراي.
لكن الأزمة الصامتة في ما يتعلّق بوضع وزير المال يوسف خليل أعادت تسليط الضوء على المدى الذي يمكن أن تصل إليه حكومة ميقاتي في حال قرّر وزير في حكومة مستقيلة تقديم إستقالته. والأضواء قد تسطع أكثر مع تكرار الحديث عن احتمال إجراء تعيينات عسكرية، من ضمنها قيادة الجيش، كخطوة استباقية تقوطب على التمديد مجدداً لقائد الجيش الذي تنتهي ولايته الأولى الممدّدة في كانون الثاني المقبل.
الأزمة الصامتة في ما يتعلّق بوضع وزير المال يوسف خليل أعادت تسليط الضوء على المدى الذي يمكن أن تصل إليه حكومة ميقاتي في حال قرّر وزير في حكومة مستقيلة تقديم إستقالته
المفارقة أنّ رئاسة الحكومة تعاملت بجدّية للمرة الأولى مع احتمال دخول أي تغيير محتمل على التركيبة الحكومية من خلال الدراسة التي أعدّها أمين عام مجلس الوزراء القاضي محمود مكّية “لتفادي الشغور المرتقب في القيادة العسكرية” (نُشِرت قبل التمديد لقائد الجيش في مجلس النواب وخلال الفترة التي شهدت فيها اقتراحات بقيام الحكومة بتأجيل تسريح قائد الجيش).
تضمّنت الدراسة يومها طرح خيار تبديل الحقيبة الوزارية “للوزير المُتخلّف”، وكان المقصود يومها وزير الدفاع موريس سليم بسبب رفضه التوقيع على تأجيل تسريح قائد الجيش العماد جوزف عون، ما كان يمكن أن يشكّل استعادة لسابقة تبديل حقيبة وزير الداخلية الأسبق بشاره مرهج عام 1994 وتغيير حقيبة وزير الكهرباء الأسبق جورج إفرام عام 1993.
عودة على السكت
الأمور لاحقاً سارت بالاتّجاه المعاكس، وبدلاً من رفع النائب باسيل لهجة حصاره لحكومة ميقاتي بدأ يتّبع تكتيك “العودة إلى الحكومة على السكت” بالرغم من النفي المُتكرّر الصادر عن قيادات في التيار الوطني الحرّ ورغم تحضير نواب التيار سؤالاً للحكومة حول الفساد المالي ونهب أموال المودعين.
يحصل ذلك من خلال المشاركة من تحت الطاولة في صياغة الكثير من القرارات وفتح قنوات تواصل واسعة مع ميقاتي تشطب سجّل الخصومة الشرسة بين الطرفين، وتشجيع الوزراء المحسوبين على باسيل لتمرير البنود الأساسية التي تعني وزاراتهم تمهيداً لـ “العودة السياسية الكبيرة” حين يحين آوان التسوية وتوزيع مغانم التعيينات.
تبدو حكومة ميقاتي اليوم أمام احتمال حصول هزّة وزارية داخل طاقمها المصرّف للأعمال عبر الحديث المتكرّر عن توجّه الوزير خليل لتقديم استقالته
هزّة وزارية؟
بمطلق الأحوال، تبدو حكومة ميقاتي اليوم أمام احتمال حصول هزّة وزارية داخل طاقمها المصرّف للأعمال عبر الحديث المتكرّر عن توجّه الوزير خليل لتقديم استقالته كما فعل قبل عام حين وضع استقالته على طاولة الرئيس نبيه بري “لأسباب صحية”!
بلغة القانون يستطيع وزير المال أن يفعلها بقرار “سيادي” منه، بالسياسة والدستور، وهو لا يحتاج حتّى إلى صدور مرسوم قبول الاستقالة من قبل رئيسيّ الجمهورية والحكومة، وفي الحالة الراهنة من قبل ميقاتي عن نفسه وعن رئيس الجمهورية، كون هذا المرسوم يتّخذ طابع الإعلان فقط.
لكن على ما يبدو وزير المال لن يفعلها، وإذا فعلها لن تكون الحكومة في وارد تعيين وزير بديل بسبب العوائق الدستورية والسياسية المانِعة والتي لا تُشبِه حالة تعيين رئيس الأركان. وفي هذه الحالة يكلّف مرتضى بالقيام بمهام وزارة المال بالوكالة الأمر المُستبعَد كلّياً من جانب عين التينة!!