ثلاثة تهديدات وردت على لسان قادة “المحور” بحتمية الردّ على اعتداءات إسرائيل. وعدت إيران على لسان المرشد الأعلى للثورة السيّد علي خامنئي بالثأر ممّن ضرب هيبتها واعتدى على سيادتها باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية على أراضيها. وصوّر الأمين العامّ للحزب اعتداء إسرائيل على ضاحية بيروت الجنوبية واغتيال واحد من كبار قادة الحزب العسكريين على أنّهما “معركة شرف”، بما يعنيه هذا المصطلح من كونه وعداً بالثأر لا يهدأ ولا يموت ولو بمرور الزمن. أمّا المسؤول اليمني عبد الملك الحوثي فلم يكن بحاجة إلى إعلان جهوزيّته للمؤازرة على ساحات المقاومة… فمتى الردّ؟ وكيف؟
أيام عاصفة حبلى بالتطوّرات تلك التي شهدت الاعتداء على ضاحية بيروت الجنوبية، ثمّ اغتيال هنيّة في طهران. لكنّها لن تكون نهاية المطاف بل بدايته لأنّ الردّ الموعود آتٍ وإن تعمّد قادة المحور عدم الالتزم بموعد محدّد لوقوعه وترك التقدير للميدان.
ما قاله السيّد نصر الله كان شافياً ووافياً. فصَل الردّ عن “جبهة إسناد غزّة”. قال إنّ موعده آت، متوعّداً إسرائيل وجيشها بأنّهم “سيبكون كثيراً”.
ما قاله السيّد نصر الله كان شافياً ووافياً. فصَل الردّ عن “جبهة إسناد غزّة”. قال إنّ موعده آت، متوعّداً إسرائيل وجيشها بأنّهم “سيبكون كثيراً”
تجاوز اعتداء إسرائيل على ضاحية بيروت الجنوبية كلّ قواعد الاشتباك ووضع المنطقة أمام منعطف جديد. لا يمكن للحزب تجاوز الاعتداء الوحشي الذي راح ضحيّته عشرات المدنيين بين قتيل وجريح، بينهم أطفال ونساء.
الاعتداء متشعّب الوجوه:
– اغتيال قائد عسكري في عاصمته المعنويّة.
– وسقوط شهداء من المدنيين.
أي أنّ الردّ سيكون متناسباً مع العدوان بحجمه. وتقول معلومات مستقاة من محور الممانعة إنّ الردّ قد يأتي متشعّباً، بحيث تتولّى إيران الردّ بالتنسيق مع الأطراف اليمنية والعراقية، فيكون الردّ اليمني الأقوى والأكثر إيذاءً، بينما يتولّى الحزب الردّ على اعتداء الضاحية. وعنصر المفاجأة سيكون هو الأساس من حيث نوعية الردّ وحجمه وأهدافه.
أمّا الحزب، خلافاً لآراء المستعجلين، فله حساباته الخاصة وتقديراته للميدان لأنّ “ردّنا قد يجرّ المنطقة إلى حرب مفتوحة وشاملة، خصوصاً في حال لجأ العدوّ إلى تكرار اعتداءاته”، على ما أكّد نصر الله. لهذا يترك الحزب القرار للميدان لتقدير الظروف والأحكام، ويضع نصب عينيه كلّ الاحتمالات ويستعدّ لأسوئها.
تقول معلومات مستقاة من محور الممانعة إنّ الردّ قد يأتي متشعّباً، بحيث تتولّى إيران الردّ بالتنسيق مع الأطراف اليمنية والعراقية، فيكون الردّ اليمني الأقوى والأكثر إيذاءً
الوساطات “اشتغلت”… ولكن
قبل تهديدات قادة المحور وبعدها مباشرة تكثّفت حركة الاتصالات الدولية تلافياً لتوسيع رقعة الردود والدخول في حرب واسعة في المنطقة. وقد أصرّت الولايات المتحدة على نفي علمها المسبق بما نوت إسرائيل فعله في إيران أو في ضاحية بيروت الجنوبية.
تؤكّد أوساط دبلوماسية أنّ لبنان تلقّى بالفعل تحذيرات من نيّة إسرائيل مواصلة عدوانها، وأنّها ستأخذ من مجزرة مجدل شمس حجّةً على الرغم من نفي الحزب مسؤوليّته عمّا حصل. وكانت المفارقة أنّ كلّ من نقل تهديدات إسرائيل بالردّ كان حريصاً على الإيحاء بتحييد بيروت والضاحية.
لم يأخذ الحزب تطمينات الدبلوماسيين على محمل الجدّ. فهو استبعد قصف إسرائيل الضاحية وبيروت بناءً على علم إسرائيل المسبق بأنّ تطوّراً كهذا يعدّ خارج “قواعد الاشتباك” المتعارف عليها منذ 8 تشرين الأول. فمنذ ذلك التاريخ لم تنجح محاولات إسرائيل في جرّ الحزب إلى حرب واسعة. إذ كان يكتفي بالردّ على العدوان بما يتناسب وحجمه.
تسلّمت وزارة الخارجية اللبنانية عدّة رسائل منذ كان الوزير عبد الله بوحبيب في نيويورك. كلّها نصحت لبنان بإقناع الحزب بأنّ إسرائيل جادّة في تهديداتها وأنّ رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو لا يصغي لطلب الولايات المتحدة تلافي التصعيد وعدم استهداف لبنان بضربات جديدة.
تؤكّد معلومات أنّ الحرب باتت “قدراً محتوماً”، وأنّ كلّ الرسائل والتمنّيات الغربية التي ترد إلى لبنان ممّن يزوره متضامناً أو عبر موفدين ليست ذات أهمّية
هل تصنع أميركا المعجزة؟
على الرغم من فداحة الاعتداء وحجم الهدف وخطورته يدرس الحزب مليّاً ردّه عليه من نواحٍ عدّة، وليس بصدد الذهاب نحو حرب واسعة في المنطقة.
لكنّ العمل قد يتقدّم النوايا. إذ تؤكّد معلومات أنّ الحرب باتت “قدراً محتوماً”، وأنّ كلّ الرسائل والتمنّيات الغربية التي ترد إلى لبنان ممّن يزوره متضامناً أو عبر موفدين ليست ذات أهمّية.
تتابع مصادر متابعة لمسار التطوّرات ميدانياً أنّ “المنطقة قد تكون مقبلة على حرب”، إلا إذا سعت الولايات المتحدة إلى لجم الحرب المقدّرة وبحثت عن حلول ممكنة مع حكومة إسرائيل. لكن إلى أن يحصل هذا الأمر فإنّ في المنطقة مقرّرين معروفين هم السيد نصر الله وعبد الله الحوثي ورئيس وزراء إسرائيل المتفلّت من أيّ التزامات. لم يعد لديه ما يخسره، ويريد إضعاف “المحور”. وهذا الأخير قطع قادته وعداً بأن تصبّ الأمور كيفما اتّجهت في مصلحة فلسطين وشعبها في نهاية المطاف، إذ ستكون القضية في أعلى سلّم أولويّات الباحثين عن حلول.
الحزب يعرض عدم الردّ؟
في هذا السياق، تكشف مصادر واكبت الاتصالات المتسارعة بعد الاعتداء الإسرائيلي، وبعد خطاب نصر الله، أنّ وزير الخارجية والدفاع البريطانيين كما غيره من الموفدين الغربيين، سارعوا إلى إبلاغ لبنان خشيتهم من المنحى الخطير لمسار التطوّرات العسكرية. وكل ما طلبه هؤلاء ألا يردّ الحزب على أيّ عدوان إسرائيلي، أو أن يلتزم ردّاً محدوداً لا يوسّع الحرب. فكان ردّ حزب الله حاسماً: أي عدوان سيقابله ردٌ قوي.
رغم كل التطورات فإنّ حزب الله لا يزال على موقفه بأن وقف الحرب في جنوب لبنان يرتبط بوقف الحرب على غزة
وبعد اعتداء اسرائيل فإنّ حزب الله يلتزم الرد المحتوم وقد اتخذ القرار بشأنه. وطالما أن إسرائيل في أعلى درجات التأهّب وأخذ الحيطة وقد أخلت الكثير من المراكز العسكرية التي أظهرتها تسجيلات “الهدهد”، فإنّ من غير المتوقّع الردّ في ظروف كهذه. خاصة وأنّها بالمقابل استنفرت كل أقمارها الصناعية في عملية رصد الصواريخ التي قد تستهدفها.
هنا يصرّ حزب الله على الفصل بين جبهة إسناد غزّة المفتوحة من جنوب لبنان منذ 8 أكتوبر، وبين الردّ على اعتداء الضاحية. وهو يعتبر أن القضية لا تتوقف على اغتيال فؤاد شكر باعتباره جزءاً من الحرب وقد سبق واغتيل غيره من القادة. بل إنّ الاعتبار الأساسي والمستجدّ يكمن في استهداف ضاحية بيروت الجنوبية وسقوط مدنيين. ما يتطلّب رداً موازياً.
لكن هل يمكن للردّ أن يؤدي إلى التدحرج نحو حرب واسعة النطاق؟