“كل شيء يبدأ وينتهي مع يحيى السنوار”، هذا ما قاله الرئيس الإسرائيلي يتسحاك هرتسوغ، في آذار الماضي بشأن الرجل الذي اختارته الحركة الثلاثاء لخلافة زعيمها إسماعيل هنية الذي اغتيل في طهران الأسبوع الماضي.
واعتبر هرتسوغ أن العثور على السنوار، الذي كان في منصب زعيم الحركة في غزة قبل أن يخلف هنية، هو السبيل للإفراج عن الرهائن المختطفين في القطاع، مشددا حينها على أن “الحرب يجب أن تستمر”، وذلك بعد يوم من تبني مجلس الأمن الدولي قرارا يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار.
وخلال الأشهر الماضية، ادعى الجيش الإسرائيلي مرارا وتكرارا بأنه يقترب من السنوار، لكن المطلوب الأول في إسرائيل، الملقب بـ”الرجل الحي الميت” يواصل النجاة من محاولات اعتقاله أو تصفيته، مما يحرم إسرائيل من نصر معنوي تسعى إليه منذ بدء الحرب قبل عشرة أشهر.
وبعد أقل من أسبوعين من هجوم السابع من تشرين الاول، وصف المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ريتشارد هيشت السنوار بأنه “ميت يمشي على الأرض” في إشارة إلى أن إسرائيل مصرة على قتله.
وتتهم إسرائيل السنوار، زعيم حركة حماس في غزة إلى جانب محمد الضيف قائد هيئة أركان كتائب القسام، بالوقوف خلف هجوم السابع من تشرين الاول على غلاف غزة، حيث يعتقد أنه لا يزال مختبئا في شبكة الأنفاق التي حفرتها الحركة على طول القطاع وعرضه.
وأعلن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي الخميس الماضي أن الضيف قتل خلال عملية مشتركة بين الجيش وجهاز الأمن “الشاباك” في 13 تموز الماضي عندما “أغارت طائرات حربية على منطقة خان يونس في قطاع غزة”، موضحا أنه جرى الآن التأكد “استخباراتيا أن الغارة أسفرت عن تصفية المدعو محمد الضيف، قائد الجناح العسكري والرقم اثنين لدى منظمة حماس”.
وكان الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد كشف في مقابلة بثتها شبكة “سي إن إن” الأميركية، في أيار الماضي، أنه أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، بعد وقت قصير من هجوم السابع من تشرين الاول، أن بلاده ستساعد إسرائيل على الإيقاع بزعيم حماس في غزة، يحيى السنوار، لافتا إلى أنه حذره من تورط إسرائيل في قطاع غزة، مقارنا ذلك بما حدث مع الولايات المتحدة في أفغانستان.
وقال بايدن: “قلت لبيبي (نتانياهو): لا ترتكب نفس الخطأ الذي ارتكبناه في أميركا، أردنا الوصول إلى (زعيم القاعدة القتيل أسامة) بن لادن، سنساعدك في الوصول إلى السنوار”.
خلال عقدين من الزمن عندما كان السنوار معتقلا في السجون الإسرائيلية. تعلم استخدام اللغة العبرية بطلاقة، وكان يتابع بنهم الصحف والقنوات الإسرائيلية المحلية.
وبحسب صحيفة “وول ستريت جورنال”، فإن أكبر قادة حماس في غزة يستخدم الآن هذه المعرفة في الحرب مع إسرائيل.
يعتقد الضابط سابق في المخابرات العسكرية الإسرائيلية مايكل ميلشتاين، أن الضيف هو من نفذ خطة الهجوم، ولكن العقل الحقيقي، والعقل المدبر كان في الأساس يحيى السنوار”.
ويضيف أنه “يفهم حقا كيف سيتصرف الإسرائيليون، وكيف يفكرون، وكيف سيردون”.
بصفته زعيما لحماس في غزة، يعد السنوار جزءا من هيكل قيادة حماس المعقد والسري الذي يضم جناحها العسكري وذراعها السياسي.
في المجمل، هناك ما يقرب من 15 شخصا في القيادة السياسية العليا، والتي تحدد اتجاه حماس من خلال الإجماع، وفقا للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.
انتخب السنوار قائدا في غزة في عام 2017، خلفا لإسماعيل هنية، الذي تولى بدوره منصب رئيس القيادة العامة للحركة في العام ذاته.
وتقول الصحيفة إن هذا كان مؤشرا على التحول الأكثر تشددا الذي اتخذته حركة حماس.
ويعتبر مسؤولو الأمن الإسرائيليون السنوار أحد الأعضاء الأكثر تشددا في حماس وحلقة وصل بين القيادة السياسية والجناح العسكري، المتمثل بكتائب عز الدين القسام، بقيادة الضيف.
لم يظهر الضيف علنا منذ سنوات، لكنه أصدر بيانا مع وقوع هجمات السابع من تشرين الاول، فيما ظل السنوار صامتا منذ شن الهجوم.
يقول أكرم عطا الله، وهو صحفي فلسطيني من غزة التقى السنوار عدة مرات، إن الهجوم على إسرائيل يشير إلى أن الحركة تستخدم أساليب أكثر عنفا لبناء نفوذ محتمل لأي مفاوضات مستقبلية.
ولد السنوار في أوائل الستينيات في مخيم للاجئين في قطاع غزة، وأصبح ناشطا طلابيا وكان قريبا من مؤسس حماس، الشيخ أحمد ياسين.
وعندما تحولت حماس من حركة إسلامية إلى جماعة مسلحة في أواخر الثمانينيات، ساعد السنوار في تشكيل جناحها العسكري، وفقا لمسؤولين إسرائيليين.
وتنقل “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين في حماس القول إن السنوار ساعد كذلك في إنشاء وحدة أمن داخلي مهمتها مطاردة المخبرين.
في عام 1988، اعتقل السنوار وأدين فيما بعد بقتل جنود إسرائيليين وحكم عليه بأربعة أحكام بالسجن مدى الحياة.
في السجن، أصبح السنوار أحد كبار مسؤولي حماس المسجونين، كما أمضى ساعات في التحدث مع الإسرائيليين، وتعلم ثقافتهم و”كان مدمنا على القنوات الإسرائيلية”، كما يؤكد مسؤول كبير سابق في خدمة السجون الإسرائيلية للصحيفة.
ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن طبيب الأسنان الإسرائيلي، يوفال بيتون، الذي قدم مساعدة طبية للسنوار عندما كان في السجن، حيث كان يعاني من مرض دماغي غامض، كاد أن ينهي حايته، “لكننا سارعنا إلى نقله إلى المستشفى حيث أُجريت له عملية عاجلة”.
ويقول الطبيب الإسرائيلي إنه كان يبلغ من العمر 37 عاما، وكان يدير عيادة الأسنان في مجمع سجون بئر السبع، في صحراء النقب بجنوب إسرائيل، حينما أنقذ حياة السنوار.
وأضاف قائلا: “عندما خرجت من مقابلة بعض المرضى في أوائل عام 2004، وجدت العديد من زملائي مرتبكين بشكل واضح، وهم يحيطون بالسنوار، الذي كان يشكو من ألم في رقبته”.
ويوضح بيتون أنه أبلغ زملاءه أن السنوار يعاني من مشكلة في دماغه، ويجب نقله إلى المستشفى، على وجه السرعة، وبالفعل جرى نقله إلى مركز سوروكا الطبي القريب، وأجريت له عملية جراحية طارئة لإزالة ورم في المخ.
ويشير الطبيب الإسرائيلي إلى أن السنوار شكره على الخدمة الطبية التي قدمها له، وقال له إنه “ممتن له بحياته”.
وبحسب صحيفة نيويورك تايمز، وثق بيتون علاقة بالسنوار، إذ أمضى مئات الساعات كطبيب أسنان، وبعد ذلك ضابط استخبارات كبير في مصلحة السجون الإسرائيلية، ما مكنه من التحدث إليه وتحليل شخصيته.
ويوضح الطبيب أنه سأل السنوار ذات مرة عن مقترح حل الدولتين، فرفض الفكرة قائلا إن “فلسطين أرض المسلمين، ولا نستطيع التنازل عنها”.
بعد اختطاف حماس للجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في عام 2006، تم وضع السنوار في الاعتبار في المفاوضات بين إسرائيل وحماس التي أدت لاحقًا إلى إطلاق سراح 1027 أسيرا فلسطينيًا مقابل إطلاق سراح الجندي.
بعد إطلاق سراحه، صعد السنوار بسرعة في صفوف حماس، حيث اختير لقيادة الحركة في غزة في عام 2017.
ومنذ بدء المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس، بشأن الهدنة أو وقف إطلاق النار، بوساطة قطرية ومصرية، بدا أن السنوار هو من يتحكم بمسارها، ويمتلك الكلمة الأخيرة في ما يتعلق بمصير الرهائن الإسرائيليين المختطفين في غزة.
كما يعتقد مسؤولو دفاع إسرائيليون، حسب ما ذكرت صحيفة “هآرتس” في تشرين الثاني الماضي، أن “قيادة حماس الخارجية لا تتمتع بنفوذ كبير” قياسا بنفوذ السنوار.
وأشار الوسطاء إلى أن هدف السنوار على المدى الطويل هو رفع الحصار عن قطاع غزة، وإنهاء الضغط العسكري الإسرائيلي على حماس، وضمان بقاء الحركة.
وجعلت إسرائيل من القضاء على السنوار عنصرا أساسيا في هدفها المتمثل في تدمير حماس.
وفي شهر شباط، نشر الجيش الإسرائيلي لقطات قال إنها للسنوار وهو يسير عبر نفق مع العديد من أفراد أسرته، وهي المرة الأولى التي شوهد فيها على ما يبدو منذ اختبائه قبل هجوم السابع من تشرين الاول.
ونقلت شبكة “سي أن أن” قبل اغتيال هنية أن مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية، ويليام بيرنز، قال خلال تجمع مغلق عقد في يوليو الماضي بولاية أيداهو الأميركية إن “السنوار ليس قلقا بشأن وفاته”، لكنه يواجه ضغوطا لقبول اتفاق وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب مع إسرائيل.
لكن يبدو أن اغتيال هنية قد غير من موقف الحركة بكاملها بدليل اختياره على رأس المكتب السياسي.