لا توجّه حكوميّاً في المرحلة الراهنة للإعلان عن الحاجة إلى تطويع بين خمسة وثمانية آلاف عسكري للجيش والأجهزة الأمنيّة. يسعى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى أن يكون هذا القرار من ضمن سلّة الإجراءات الاستثنائية التي اتّخذتها حكومته في مرحلة تصريف الأعمال، لكنّ هذه الخطوة مرتبطة بشكل حصري بمآل التسوية وانعكاساتها على الترتيبات الأمنيّة في جنوب لبنان وتوفير الاعتمادات الكافية من “جيبة” المجتمع الدولي!
في متن المحضَر المسرّب إلى إحدى الوسائل الإعلامية عن مضمون لقاءات قائد الجيش مع المسؤولين الأميركيين خلال زيارته الأخيرة لواشنطن (لم يجر نفيه أو الردّ عليه من قبل قيادة الجيش)، أشار العماد جوزف عون في سياق الحديث عن دور الجيش ضمن مسار تطبيق القرار 1701 وانسحاب الحزب المحتمل إلى شمال الليطاني إلى خيار أساسي “يقضي بنشر الجيش وحدات إضافية تساعد على الحفاظ على استقرار الوضع في الجنوب بالتزامن مع وقف إطلاق النار والتوصّل إلى حلّ دبلوماسي حول النقاط الخلافية على الحدود البرّية، وذلك عبر فتح باب التطويع في الجيش، وفق خطّة أعدّتها قيادة الجيش”.
خطّة من خمس مراحل
تمتدّ الخطة على خمس مراحل يجري تنفيذها بشكل تدريجي، لكنّها خطّة، وفق عون، تحتاج إلى تمويل وتبلغ كلفتها حوالي مليار دولار يتوزّع جزء كبير منها على كلفة آليّات النقل الجديدة الضرورية لتنفيذ القرار 1701 وتعتبر في صلبه الدوريات العسكرية بين الجيش واليونيفيل.
التطويع
يُذكر أنّ “أركان الجيش للتخطيط” أعلنت في 10 حزيران 2023 “الخطة الخمسية لتطوير قدرات الجيش 2022-2027 واستراتيجية التواصل في الجيش لعام 2023، بحضور الملحقين العسكريين وممثّلين عن الدول المانحة والمنظّمات الدولية”.
لا إشكال على التّطويع
تقول مصادر حكومية لـ “أساس” إنّ القرار بتطويع الآلاف متّخذ، ولا إشكالات سياسية أو طائفية عليه، لكنّ المشكلة الأساسية هي في الاعتمادات المالية غير المتوافرة التي تحتاج إلى “دعمة” كبيرة من الخارج.
لا توجّه حكوميّاً في المرحلة الراهنة للإعلان عن الحاجة إلى تطويع بين خمسة وثمانية آلاف عسكري للجيش والأجهزة الأمنيّة
من جهتها تقول مصادر عسكرية لـ “أساس”: “هناك حاجة لدى الجيش إلى التطويع، خصوصاً بعد سنوات الأزمة الطويلة والوضع الاستثنائي الذي تمرّ به المؤسّسة العسكرية والذي تمكّنت خلاله القيادة من تجاوز العديد من الأزمات الخطيرة، لكنّ تجديد الدم ضروري ولا ننسى حالات الفرار والتسريح والإحالة إلى التقاعد في كلّ الأجهزة الأمنيّة. والأهمّ أنّ الجميع يتحضّر لما بعد مرحلة حرب غزة ووقف إطلاق النار على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، وانتشار الجيش بأعداد إضافية حماية لأمن الجنوب ولبنان، وهو الأمر الذي سيكون من ضمن الخيارات الأساسية”.
لا شكّ أنّ أيّ خطوة حكومية راهناً بهذا الاتّجاه قبل جلاء المشهد الغزّيّ وتحديد الوضعية العسكرية والأمنيّة للحزب جنوب الليطاني بعد وقف إطلاق النار النهائي ستكون بمنزلة “تسليفة” لعواصم القرار لن تُقدِم عليها الحكومة، وفق مطّلعين، كي لا تفسّر كرسالة داخلية للحزب نفسه، مع العلم أنّ المانع الماليّ يقف بشكل كبير أمام الدعوة إلى تطويع أكثر من خمسة آلاف عسكري، علاوة على محاولة معالجة الثغرة الطائفية عبر تقديم تطمينات جدّية للمسيحيين تكسر حاجز تمنّعهم الذي يقوى أكثر عن الانخراط في “سيستم” إدارات الدولة وأجهزتها العسكرية والأمنيّة. وقدّمت الإشكالات التي رافقت دورة ضبّاط الكلّية الحربية الأخيرة والتي سبّبت مواجهة قاسية بين وزير الدفاع وقائد الجيش الدليل الأكبر على ذلك.
تقول مصادر عسكرية لـ “أساس”: “هناك حاجة لدى الجيش إلى التطويع، خصوصاً بعد سنوات الأزمة الطويلة والوضع الاستثنائي
وفق مطّلعين، سيكون الحزب هذه المرّة شريكاً أساسياً في قرار التطويع وتحديد دور الجيش جنوباً بالتعاون مع “اليونيفيل” في “اليوم التالي” لحرب غزة، مع العلم أنّ رئيس الحكومة يجاهر أمام الموفدين الدوليين وخلال زياراته إلى الخارج بأنّ انتشار الجيش بأعداد إضافية حتمي بعد نهاية الحرب وإخلاء جنوب الليطاني من المظاهر المسلّحة عبر الالتزام بتطبيق مندرجات القرار 1701 بالتزامن مع تثبيت النقاط الحدودية المتنازع عليها مع إسرائيل.
بدا لافتاً في هذا السياق عدم إشارة ميقاتي في كلمته خلال مشاركته في الحفل الرمزي لعيد الجيش في اليرزة إلى مسألة دور الجيش في مرحلة ما بعد غزة ولا توجّه الحكومة بالتوقيت المناسب إلى إعلان حاجتها إلى التطويع.
يُذكر أنّ الجيش ثابر بعد قرار الحكومة بوقف التطويع على تطويع آلاف العسكريين على مراحل في ظلّ واقع ضاغط تجلّى في حصول آلاف حالات الفرار والتسريح والإحالة إلى التقاعد في كلّ الأجهزة الأمنيّة.