يقول مسؤولون أميركيون إنهم عملوا على تجنّب الحرب الإسرائيلية على لبنان، وقد نجحوا حتى الآن. تدرج الإدارة الأميركية هذه المحاولات في سياق النشاط الديبلوماسي المحموم، الذي تعتمده مع إيران، لتجنّب الردّ الإيراني على اغتيال اسماعيل هنية، أو لتخفيف ردّ حزب الله على استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت. تواصل واشنطن نشاطها على أكثر من خطّ. تمرير التمديد لقوات الطوارئ الدولية في الجنوب بشكل أرخى نوعاً من الارتياح المعنوي، واستمرار الضغط في سبيل منع توسيع المواجهات بين حزب الله والإسرائيليين.
قرار الحزب واضح في منع التصعيد أو توسيع المواجهة، ولكن لا أحد يضمن حتى الآن ما سيقدم عليه الإسرائيليون الذين نقلوا تركيزهم إلى الضفة الغربية.
ما يحدث بالضفة
يتضح من المسار الإسرائيلي في الضفة أن تل أبيب تسعى إلى تحقيق هدفين، الأول على المدى القصير، هو ضرب الخلايا المقاومة في بعض المخيمات والمناطق، والسعي إلى تفكيكها لما تعتبره خطراً محدقاً بها وبسياستها، ولا سيما توسيع عملية الإستيطان. والثاني بعيد الأمد تمارسه من خلال عمليات الاغتيال أو ضرب أهداف بعمليات أمنية وعسكرية، أو من خلال تضييق الخناق على سكان الضفة، واستهداف كل مقومات الحياة، لدفعهم إلى الخروج منها باتجاه الأردن. بذلك يكون الانتقال الإسرائيلي قد حصل من غزة إلى الضفة، مع مواصلة العمليات العسكرية في القطاع.
في غزة
وعلى وقع استمرار الحرب، تصرّ الولايات المتحدة الأميركية على مواصلة التفاوض للوصول إلى وقف لإطلاق النار في غزة، وسط استمرار العرقلة الإسرائيلية. ولكن ما تريده واشنطن هو إبقاء المفاوضات قائمة كباب من أبواب خفض التصعيد في المنطقة، وتأجيل أي احتمال لتفجّر الأوضاع أكثر. وفي سياق المفاوضات التفصيلية المستمرة، وعلى الرغم من عدم الوصول إلى اتفاق بشأن محور فيلادلفيا حتى الآن، تدور المفاوضات حول تخفيض عدد الأسرى الذين تطالب حركة حماس بإطلاق سراحهم، مع إصرار إسرائيلي على رفض تمسك الحركة بإطلاق سراح الأسير مروان البرغوتي. كما أن الإسرائيليين يعرضون الاستعداد للانسحاب التدريجي من معبر نتساريم، والقبول بالهدنة كمرحلة أولى وليس بوقف إطلاق نار دائم، على أن تستمر هذه الهدنة طوال فترة التفاوض، بحثاً عن وقف إطلاق نار في المرحلة الثانية. ويفترض أن تشهد المرحلة الأولى إطلاق عدد من الرهائن الإسرائيليين مع امرأتين.
واشنطن وطهران
يبقى الهمّ الأساسي بالنسبة إلى الأميركيين هو منع حصول انفجار في تطورات الوضع العسكري بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، فيما هناك قنوات مفتوحة بشكل موسع بين واشنطن وطهران في سبيل منع اتساع رقعة الحرب، لا سيما أن النجاح الذي يعتد به الأميركيون حول منع التصعيد الإسرائيلي ضد الحزب، لا يمكن أن يحصل من دون خلق تفاهمات إيرانية أميركية. ولا بد لإيران أن تفاوض على ملفات متعددة، كانت قد تجلّت في مؤشرات عديدة، عودة محمد جواد ظريف عن استقالته، موقف مرشد الجمهورية الإسلامية في السماح بالتفاوض مع الأميركيين حول الملف النووي، استئناف نشاط الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومؤشرات عديدة تشير إلى استمرار نسج الخيوط بين أميركا وإيران.
الجبهة اللبنانية
طبعاً، طالما أن باب التفاوض الأميركي الإيراني لا يزال مفتوحاً، فإن طهران تبحث عن مكسب إقليمي ولذلك هي تشدد على أن مكسبها هو بالوصول إلى وقف لإطلاق النار في غزة، من دون تحقيق الإسرائيليين لكامل أهدافهم، كسبيل وحيد لمنع حصول تدهور إقليمي للأوضاع العسكرية. هي مفاوضات يستفيد منها الإسرائيليون لتنفيذ المزيد من العمليات، وسط انقسام في الآراء، بين من يعتبر أن ما تقوم به أميركا هو منح غطاء لإسرائيل في تنفيذ ما تريده، مقابل لجم إيران وحلفاءها في المنطقة على تصعيد المواجهة. وبين من يرى أن الحرب شارفت على نهايتها وسط ضغط أميركي لوقف النار، والوصول إلى تفاهمات. وبالتالي، ما يقوم به الإسرائيليون حالياً هو السعي إلى تحقيق ما يمكنه تحقيق عسكرياً، تمهيداً للوصول إلى وقف إطلاق النار. كل هذه التقديرات لا تبدو أنها تحيط بكلية الموقف الإسرائيلي وحقيقة نوايا نتنياهو، خصوصاً تجاه لبنان، الذي لا يزال هناك تخوف دولي وديبلوماسي وداخلي من الوصول إلى لحظة نقل الإسرائيليين تركيزهم إلى الجبهة اللبنانية وفي مواجهة حزب الله، لا سيما بعد قرار الحكومة الإسرائيلية في المصادقة على توسيع أهداف الحرب.