كتب الناشط السياسيّ أمير المقداد: ماذا حدث وما استجدّ، ليوقف الحاكم السابق للمصرف المركزيّ رياض سلامة إحترازيّاً وفجأة؟ ولماذا وحده دون غيره؟ أذكر، كان سرّب مرّة ما فحواه أنّ في حال سقوطه، فلديه معلومات قادرة على إسقاط الطبقة الحاكمة، فهل يفعل، وهل ستسمح له المنظومة بكشف ما لديه؟
في الانتظار، دعونا نعود قليلاً إلى الوراء لنتذكّر مع بعض تاريخيّة هذا المسلسل الجهنميّ. فعلامات الإنهيار الماليّ كانت بدأت تلوح منذ مؤتمرات باريس 1 و2 في 2001، أمّا سرقة أموال المودعين فبدأت في 2016. يومها، أصدر صندوق النقد الدوليّ تقريراً كشف فيه عن فجوة باحتياطات مصرف لبنان بقيمة 4.7 مليار دولار، في الوقت الذي كان يعلن فيه رياض سلامة أنّ احتياطات المركزيّ تبلغ 36.5 مليار دولار؟!
يومها أيضاً، لم يكشف سلامة عن الإلتزامات المستحقّة على المركزيّ والتي بنتيجتها يكون صافي الإحتياطيّ ناقص بحدود 4.7 مليار دولار فقط. هنا بدات اللعبة الاحتياليّة، عبر إخفاء الخسائر بفزلكات حسابيّة. فكان أن سجّل ميزان المصرف موجودات وهميّة ضمن بند الموجودات الأخرى مقابل السيولة التي كان يخسرها المصرف، وبقي يطمئن المواطنين اللبنانيين أنّ الليرة بخير؟! أكثر، طلب من صندوق النقد الدوليّ حذف حوالي ١٤ صفحة من تقريره عن الوضع الماليّ في لبنان، بحجّة المحافظة على الاستقرار الماليّ!
معنى ذلك كلّه، أنّ الكلّ كان يعرف ويدرك حقيقة الوضع. والكلّ بالنتيجة كان متواطئاً، المنظومة والحاكم والمصارف وحتّى صندوق النقد، فالخسارة قائمة بقيمة 4.7 مليار دولار، ولا مفرّ من الوصول إلى الإنهيار، من دن تغيير المسار. بقي المصرف المركزيّ يتصرّف بالايداعات تدييناً للحكومة والمنظومة الكاملة من خلفها، وفي كثير من الأحيان بموافقة المجلس النيابيّ، هكذا هباء ومن دون خطّة ومن دون أدنى إمكانيّة لاسترجاع الديون.
لم يتوقّف الأمر على ذلك، بل كانت مجرّد بداية لمسار إحتياليّ بين المركزيّ والمصارف. في العام 2016، أطلق سلامة هندسة ماليّة هي في الحقيقة Ponzi، أي نصب واحتيال. بالتحديد، طلب الحاكم من المصارف تديينه ودائع اللبنانيين، مقابل دفع فوائد عالية وخياليّة لها. المصارف بدورها شاركت بالنصبة، حين بدأت تشجّع عملائها وزبائنها على الإيداع بأموالهم مقابل عرض الفوائد غير المسبوق والمغري جداً. هكذا حوّلت المصارف إيداعات اللبنانيين من دون وجه حقّ كدين للمركزيّ، وراح المركزيّ مع المصارف بدفع الفوائد للبنانيين من أموالهم وودائعهم، ويستمر في تمويل الحكومة، بحيث كلّفت هذه العملية حوالي 24 مليار دولار لغاية 2019.
وكان أنّ الأمر استكمل عبر تنفيذ خطّة تهريب الأموال المتبقيّة، حين قامت المنظومة مع بعض المصارف وكبار المساهمين، باستغلال انتفاضة 17 تشرين، حين أقفلت المصارف أبوابها لمدة 14 يوماً، ولتتمّ خلالها بالسرّ عمليّات التحويل الى الخارج. ١٧تشرين كانت فرصة لهؤلاء وليس سبب الإنهيار، وهكذا تبخرّت أموال المودعين وطار جنى عمر اللبنانيين.