كان أحد القياديين العسكريين الأساسيين في حزب الله يعتمد على إجراء أمني محدد كلما زار منزله في الجنوب، هو عبارة عن جمع هواتف أفراد العائلة داخل صندوق يتم وضعه في المطبخ. هكذا تمكّن العدو الاسرائيلي من تحديد مكان تواجد هذه الشخصية، التي تم اغتيالها في الجنوب خلال هذه الحرب. فالمنزل كان يخضع لمراقبة دائمة، وعندما وجد المراقبون أن الهواتف كلها مجمّعة بنقطة واحدة، عرفوا أن الرجل داخل منزله. ومن هذه الحادثة-النموذج، يصبح تنفيذ عملية الاغتيال سهلاً، بظل وجود كل وسائل المراقبة التكنولوجية الحديثة.
حركة الهواتف أو لا حركتها
جزء من هذه الحادثة يُعيدنا إلى ما كنا كتبناه سابقاً في “المدن” حول أجهزة الراوتر، إلا أن هذه المسألة تُضيء على أمر لا يقلّ أهمية وخطورة، وهو الإجراءات الأمنية التي تتحوّل إلى ثغرات يستفيد منها العدو الإسرائيلي.
حسب مصادر معنية في هذا الملف، فإن بعض الإجراءات الأمنية التي كانت تعتمد أو اعُتمدت خلال هذه الحرب، تحولت إلى الثغرة التي دخل منها العدو لتنفيذ عمليات الاغتيال. فعلى سبيل أبسط مثال، عندما طلبت قيادة المقاومة في لبنان من المقاتلين التوقف عن استعمال الهواتف، صارت الآليات المتواجدة في نطاق جغرافي معين في الجنوب، والتي لا تُظهر إشارات هاتف داخلها، إما هدفاً مباشراً أو هدفاً للمراقبة والتتبع. وهكذا تحول إجراء التخلي عن الهواتف من حركة أمنية وقائية إلى ثغرة أمنية. ومثلها حركة تغيير الخطوط بشكل دائم ومستمر.
على سبيل المثال أيضاً، بما يتعلق بتغيير الخطوط بشكل دائم، فقد تحول هذا الإجراء الأمني إلى ثغرة يتمكن خلالها العدو من تحديد مكان تواجد الأفراد المطلوب العثور عليهم. إذ كان يكتشف من خلال مراقبة هواتف عوائل المقاومين، أن أرقاماً غريبة تتصل كل فترة، فيضع هذه المسألة وهذه الأرقام تحت المراقبة، ويصبح حامل الأرقام الغريبة هدفاً للمراقبة.
تؤكد المصادر أن العدو الإسرائيلي أظهر قدرة تكنولوجية تجعله يرصد أي إجراء أمني يتخذه الشخص بخصوص الهواتف، وتُعطي مثالاً يحصل في القرى الجنوبية، فعندما طُلب من المقاومين، (وهنا طبعا نتحدث عن أشخاص “مشتبه بهم” إسرائيلياً)، التوقف عن حمل هواتفهم معهم عندما يكونوا في مهمات عمل، كان هؤلاء يتركون هواتفهم في المنزل. عندها تحوّلت الهواتف التي لا تتحرك ليوم ويومين وأكثر إلى أهداف محتملة. فعندما يتوقف الهاتف لوقت طويل عن أي حركة، ويعود للتحرك يُدرك الاسرائيلي أن المقاوم عاد إلى المنزل ويستهدفه. وهذا الأمر حصل في بلدة الخيام، عندما تم اغتيال أحد الشبان فور تشغيله لهاتفه بعد دخوله إلى المنزل بدقائق.
وتُشير المصادر إلى أن المقاومين يعتمدون اليوم إجراءً جديداً لمواجهة هذه المسألة، من دون الكشف عن مضامينه.
الإجراء الأمني المفاجىء لا ينفع
يهتم العدو الإسرائيلي بالحصول على تفاصيل التفاصيل عندما يتعلق الأمر بالداتا الخاصة باللبنانيين، سواء تلك التي يتم جمعها من خلال الهاتف الخلوي، أو اختراق جهاز الراوتر. وتكشف المصادر أن العدو يجمع هذه الداتا منذ ما قبل الحرب بسنوات، ما يجعل أي إجراء أمني مستجدّ غير فعّال بما فيه الكفاية للمواجهة.
وتقول المصادر: “هناك قدرة للعدوّ بعد تحليل الداتا الموجودة لديه عن كل شخص، أن يتوقع مكان وجود هذا الشخص. وهذا الأمر يحصل على الشكل التالي: يجمع العدو الداتا حول حركة شخص ما عبر هاتفه خلال عام وعامين، حيث تصبح لديه خريطة كاملة لمكان عمل الشخص ومنزله ومكانه المفضل للسهر والأمكنة التي يزورها. ولذا، عندما تتوقف حركة هاتف هذا الشخص، فإن تحليل كل ما جُمع سابقاً يقدّم عدة خيارات للأمكنة التي قد يكون الشخص متواجداً فيها. وعندما يتم مراقبة هذه الأمكنة بكل وسائل المراقبة المتطورة، وتفعيل حتى عمل العملاء على الأرض، وتشغيل المراقبة عبر الكاميرات حول كل هذه الأمكنة، وفي الأحياء التي تتواجد فيها، كما تفعيل التنصت ومراقبة هواتف كل المقربين من الشخصية، عائلته وأولاده وغيرهم، وهؤلاء يتم تحديدهم خلال مرحلة جمع الداتا، حيث يتم إنشاء ما يُعرف “بالحلقة الضيقة”، وأصدقائه ومن يعمل معه.. فيصبح العثورعليه مجرّد وقت. وحسب المصادر، فإن عدداً من عمليات الاغتيال الكبرى في لبنان حصلت بهذه الطريقة، ومنها عملية اغتيال القيادي في حركة حماس صالح العاروري”.
لا يمكن لأحد أن يتخذ إجراءً أمنياً لنفسه ولكل المحيطين به والمقربين منه في الوقت عينه. فسبل المواجهة في حرب كهذه، تشكّل واحدة من أبرز المشاكل المطروحة، خصوصاً أنها لا تقتصر على الإجراء الأمني فقط، بل تتطلب تغييراً كاملاً في طريقة العيش، وروتين الحياة.