سقطت كلّ المحاذير في حرب يريد منها العدوّ الإسرائيلي، ضمن “فرصة” قد لا تتكرّر، رأس الحزب وسلاحه الاستراتيجي وليس فقط إرجاعه بالقوّة عشرة كيلومترات شمال الليطاني ودفعه إلى وقف حرب إسناد غزة، والضغط من خلال إضعافه وقتل قياديّيه الكبار وآخرهم قائد منظومة الصواريخ إبراهيم قبيسي لإنجاح صفقة التبادل في غزة.
استخدمت وتستخدم إسرائيل كلّ ما أوتي لها من وحشية وبربريّة لتحقيق هدفها محقّقةً في الوقت نفسه “طوفان” نزوح لا مثيل له في تاريخ الصراع بين العدوّ والمقاومة، وموقعةً عدداً من الشهداء مفتوحاً على أرقام مرعبة ودماراً هائلاً في الجنوب والبقاع يتجاوز بأضعاف نكبة حرب تموز 2006 باستخدام أقصى طاقتها الإجرامية لناحية كثافة الغارات الجوّية وتحويل المدنيين إلى أكياس رمل من الأهداف العشوائية.
لم تفلح عملية “سِهام الشمال” التي أطلقها العدوّ الإسرائيلي ومحاولة تفخيخ شبكة اتّصالات الحزب وتصفية بعض قياداته وضرب ترسانته الصاروخية في تقييد حركة عناصر الحزب ومنعه من توسيع دائرة بنك أهدافه وفي صلبها مواقع وقواعد عسكرية حسّاسة في حيفا ومحيطها الأوسع وإمطار الشمال الإسرائيلي خصوصاً مقرّ قيادة الجبهة الشمالية بالصواريخ واستهداف مزيد من المستوطنات، فيما أقرّ إعلام العدوّ أنّ أكثر من مليونَي إسرائيلي دخلوا في اليومين الماضيين في مرمى نيران الحزب.
لم تفلح عملية “سِهام الشمال” التي أطلقها العدوّ الإسرائيلي ومحاولة تفخيخ شبكة اتّصالات الحزب وتصفية بعض قياداته وضرب ترسانته الصاروخية في تقييد حركة عناصر الحزب
في المقلب الآخر، مقابل “تهجير” مستوطني الشمال الإسرائيلي ونزولهم إلى الملاجئ شهد لبنان في الساعات الماضية أوسع موجة نزوح في تاريخه من البقاع والجنوب والضاحية الجنوبية صوب جبل لبنان وبيروت والشمال من دون تمكّن غالبيّتهم من إيجاد سقف يؤويهم في إحدى أفظع المآسي الإنسانية منذ انتهاء الحرب الأهلية.
الحرب الجوّية التي بدأت بجولتها الثانية أمس والتي لا أفق لها وتُنبِئ باستيلادها لمعادلات عسكرية وأمنيّة وسياسية لا سابق لها، وقد تتخطّى بنتائجها تسوية الـ 1701 التي أفرزتها حرب تموز، لم تدفع الحزب أيضاً إلى التراجع خطوة إلى الوراء، حيث أقرّ مطّلعون على حركة الاتّصالات الدولية والمداولات نقل الحزب رسالة عبر الحكومة إلى وسطاء دوليين، من ضمنهم الوسيط الفرنسي جان إيف لودريان، أن ليس وارداً لدى الحزب إيقاف جبهة إسناد غزة التي باتت بمنزلة جبهة واحدة مع لبنان مع تحميل رسالة مباشرة: “انتظروا المزيد”.
أمّا أحد أكبر الإخفاقات الدبلوماسية، إضافة إلى التخاذل الدولي الفاقع، من ضمنه الموقف الإيراني بالتفرّج على “غزة 2″، معاينة الزائر الفرنسي يتنقّل من مقرّ إلى آخر كمن يعاين مريضاً في مستشفى من دون حمل حتى باقة ورد للمؤاساة في ظلّ عجز باريس عن حرف مسار “الجرف” الإسرائيلي لمناطق لبنانية برمّتها وحصد عدد غير مسبوق من الشهداء بظرف أيام قليلة، وهو ما كلّل الإجرام الإسرائيلي بعد مجرزتَي البيجر والأجهزة اللاسلكية وقتل مدنيين في الضاحية الجنوبية بقصد القضاء على هيئة أركان قوّة الرضوان ورئيسها. حتّى إنّ الحديث في الملفّ الرئاسي بدا خارج المنطق وخارج سياق الأحداث التي تحوّلت إلى تسونامي وضع لبنان برمّته على كفّ عفريت الانزلاق نحو جهنّم حقيقي.
مقابل “تهجير” مستوطني الشمال الإسرائيلي ونزولهم إلى الملاجئ شهد لبنان في الساعات الماضية أوسع موجة نزوح في تاريخه
في هذا السياق ثمّة رعبٌ رسمي لبناني من تجاوز الحزب بعض الخطوط الحمر التي وضعها لنفسه حتى الآن، وأوّلها توجيه ضربات مباشرة ضدّ أهداف مدنية في إسرائيل لتعويض حجم المجازر الإسرائيلية المرتكبة بحقّ المدنيين في لبنان وتنفيذ تهديداته باستخدام أسلحة دقيقة وموجّهة قد تنقل الصراع مع العدوّ إلى مراحل أكثر دراماتيكية وفظاعة، مرجّحة بأنّ ضغوطاً إيرانية قد تكون دفعت الحزب إلى التريّث حتى الآن في تجاوز المحظور بمواجهة العدوّ.