على وقع اصوات الغارات في بيروت، تسير المفاوضات في نيويورك، والتي حتى الساعة ما زالت عالقة عند النقاط الثلاث نفسها، وسط دورانها في حلقة مفرغة، عنوانها: الانسحاب الى شمال الليطاني، تأمين آلية للتحقق الكامل من الانسحاب، ووضع آليات فعلية لتطبيق جدي للقرار 1701.
ووفقا لاوساط ديبلوماسية مطلعة على اجواء اللقاءات، يبدو ان الضغط الممارس في الميدان والتصعيد الحاصل، لم يؤد حتى الساعة الى تحقيق الاهداف منه، ذلك ان حزب الله لا زال مصرا على مواقفه، بعدم تقديم اي تنازلات، متمسكا بشروطه، معتبرة ان الساعات القادمة ستكون حاسمة لجهة تحديد مسار الامور واتجاهها، حيث ان الاجواء في بيروت تميل نحو السلبية.
هذه المساعي الديبلوماسية المستمرة تواكبها حركة عسكرية نشطة، في ظل استمرار حزب الله حتى اللحظة على اعتماد سياسة “الصبر الاستراتيجي”، والاكتفاء بردات الفعل، موسعا من دائرة الاستهداف، وفقا لمقتضيات الميدان، ومستعدا للاسوأ، في وقت كشفت فيه مصادر مطلعة عن أن “أمر العمليات” “الإسرائيلي”، يتحدث عن مرحلتين للحرب:
-الأولى: تقوم على عمليات قصف جوي وبري عنيف، يستهدف المنطقة الواقعة جنوب الليطاني، ومناطق “المجال الحيوي” للحزب، على أن ترافقها حركة نزوح وإخلاء، اضافة إلى بعض النقاط الحساسة والاستراتيجية بالنسبة للحزب، قد تمتد لاسبوعين، يفتح معها باب التفاوض، على أمل أن يتجاوب حزب الله مع المساعي الديبلوماسية، ويوافق على التراجع إلى شمال الليطاني، على أن يضمن ذلك صدور قرار عن مجلس الأمن الدولي متمم للقرار 1701، وهي الصيغة التي يعمل عليها الوسيط الاميركي اموس هوكشتاين، ويحاول التسويق لها في نيويورك، والتي ستتضمن تسوية للترسيم، وقد أعطيت تلك المبادرة مهلة 24 ساعة لتمريرها.
هنا لا بد من التوقف عند مؤشر “اسرائيلي” لافت، اذ كلف المجلس الوزاري “الاسرائيلي”، وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرير، لقيادة فريق من الامنيين والعسكريين، مهمته “انشاء آليات خاصة لانهاء المعركة في الشمال، في موازاة استمرار حملة “سهام الشمال”، كما هو مخطط له”. علما ان “ديرير” هو من يخوض المفاوضات مع الجانب الاميركي، وينسق الخطوات على الجبهة الشمالية، وقد ترأس وفد “اسرائيل” في الاجتماعات مع الاميركيين ومع هوكشتاين وجاك سوليفان تحديدا.
– الثانية: تنطلق في حال فشل المساعي الديبلوماسية، حيث تقوم “إسرائيل”، وبدعم غربي وأميركي بتوسيع هجومها، محاولة التوغل داخل الأراضي اللبنانية إلى حدود نهر الليطاني، عبر إحداث خروقات من أكثر من محور، سبق أن تم استطلاعها خلال عمليات تسلل نفذتها قوات خاصة، تلتقي خلالها المجموعات المتقدمة في البر، مع وحدات سيتم إنزالها على الشاطئ في أكثر من نقطة، تحت غطاء جوي كثيف، خصوصا إن الفرقة 82 في الجيش “الإسرائيلي” ووحدة “شييطت” البحرية، قد أنجزت تدريباتها على هذه الخطة. وعزز هذه النظرية اعلان بنيامين نتانياهو ان الحدود الشمالية ل “اسرائيل” هي نهر الليطاني.
وكشفت المصادر، أن نتنياهو يمارس سياسة الابتزاز مع الإدارة الأميركية، حيث يحتاج إلى السلاح لإكمال حربه، خصوصا في حال قرر فعليا تنفيذ توغل بري على الجبهة الشمالية، وهو أمر لا زال موضع أخذ ورد القيادة العسكرية في البنتاغون، التي طالبت بمراجعة الخطط المتعلقة بلبنان، وسط حذرها من محاولات توريطها في المواجهة.
عليه، تختم المصادر بأن الإدارة الديموقراطية قد لا يكون أمامها مفر من دخول المعركة، وهو ما ألمح إليه الوسيط هوكشتاين خلال جولات التفاوض الجارية في نيويورك، مشيرا إلى أن حزب الله تخطى الخطوط الحمر، ما يجعل من المستحيل لأي تسوية في المنطقة من أن تمر دون مواجهة على الحدود اللبنانية، في حال رفض التسوية الديبلوماسية، والتي ستكون واشنطن مضطرة للدخول على خطها.
عليه، فان المواجهات العسكرية ستبقى قائمة بوتيرة مرتفعة ومتصاعدة، فهل تندلع المواجهة، التي تريدها “إسرائيل”؟ أم يستمر الاستنزاف، وهو الخطة المثلى للحزب؟