الحزب بعد اغتيال نصرالله: فصل جديد أم انهيار؟

هزّ اغتيالُ الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، إلى جانب ابن خالته السيد هاشم صفي الدين، عضو مجلس الشورى ورئيس المجلس التنفيذي، وقادة رئيسيين من المجلس الجهادي، المنظمةَ حتى النخاع.

ولطالما اعتُبرت قيادةُ نصرالله، محوريةً لهوية «حزب الله»، سواء من حيث حضوره السياسي أو إستراتيجيته العسكرية.

وقد ترك موته، إلى جانب العديد من الشخصيات البارزة الأخرى القيادية، أسئلةً عن كيفية تكيّف الحزب في أعقاب هذه الخسارة الكبيرة… هل تنهار المنظمة من دون زعيمها القديم؟ أم سيُثْبِت «حزب الله» أنه قادِر على تَجاوُزِ خسارةِ شخصيةٍ، على رمزيتها الكبيرة، مع وجود هياكل مؤسسية قائمة تَضمن بقاءه؟

تستكشف المقالة الآتية هذه الأسئلة، وتتعمّق في ديناميات «حزب الله» الداخلية، وبنية القيادة، والقدرات العسكرية، والأهداف الطويلة الأجَل لفهم كيفية تَعامُل المنظمة مع هذه الخسائر وآفاقها المستقبلية.

نائب الأمين العام والمجال السياسي

أحد الجوانب الحاسمة لفهْم البنية الداخلية، هو إدراك أن الحزب لا يَعتمد على زعيمٍ واحدٍ للعمل بفعالية. فالحزب لديه نائبُ أمينٍ عام، الشيخ نعيم قاسم، الذي لم يشارك تاريخياً في مسؤولية أو إدارة العمليات العسكرية.

وبَدَلَ ذلك، يركّز دور نائب الأمين العام في شكل أساسي على بعض جوانب أجندة «حزب الله» المحلية، مثل إدارة العلاقات مع أعضاء البرلمان اللبناني والإشراف على الوزراء التابعين للمنظمة.

ويسلّط هذا الفصل بين الوظائف العسكرية والسياسية الضوءَ على عُمْقِ البنية التنظيمية لـ «حزب الله».

ويشير الدور المحدود لنائب الأمين العام في الشؤون العسكرية إلى أن «حزبَ الله» حافَظَ دائماً على تقسيم العمل داخل صفوفه.

وفي حين ربما كان نصرالله هو الوجه العام للمنظمة، فإن الإستراتيجية العسكرية وصُنْع القرار كانت دائماً في أيدي المجلس الجهادي والقادة العسكريين في العقود الأولى من تاريخ نمو «حزب الله».

وفي زمن الحرب، كان مقرّ خاتم الأنبياء (حيث اغتيل نصرالله) يدير الحربَ بمخطّطيها والقائد العسكري المعيَّن للإشراف على المعركة الجارية واحتياجاتها.

مؤسسة جَماعية

لا تتمحوّر قيادةُ «حزب الله» حول فرد واحد. بل كانت تَحْكُمُها منذ عقودٍ قيادةُ مجلس الشورى. وهذا المجلس هو هيئةُ صُنْعِ قرار جَماعي، والأمين العام – على الرغم من بروز شخصيات مثل نصرالله – هو مجرّد ممثل للمنظمة.

وهذا التمييز أمرٌ بالغ الأهمية لفهْم كيف يمكن للحزب أن يستمرّ في العمل حتى بعد فقدان كبار قادته.

لسنواتٍ عدة، كان منصب الأمين العام يتم التصويتُ عليه بانتظامٍ داخل المنظمة.

وكانت الانتخابات تُعقد بين المرشّحين داخل مجلس الشورى، مع تَقَدُّم أفراد مختلفين للأمانة العامة.

وعادةً ما تُتخذ القرارات داخل مجلس الشورى من خلال تصويت الغالبية. وهذا يَضمن عدمَ امتلاكِ أي زعيمٍ لسلطةٍ أحاديةِ الجانب على المنظمة بأكملها، وهو مبدأ أساسي للقيادة الجَماعية.

وحتى الأمين العام، الذي يمثّل واجهة المنظمة، لا يملك سوى صوت واحد داخل المجلس. وقد صُمم هذا النظام لمنْع أي فردٍ من تجميع قدر كبير من السلطة، وللحفاظ على تجذُّر القيادة في الإجماع.

لكن هذا التقليد تَغَيَّرَ مع السيد نصرالله، الذي تولّى دور الزعيم المطلق بعد حرب 2006 مع إسرائيل. وكانت قيادتُه، إلى جانب نفوذه وشعبيته المتزايدة، بمثابة تَحَوُّلٍ من القيادة الدورية إلى شكْلٍ أكثر مركزية من السلطة، حيث أصبح أميناً عاماً مدى الحياة.

وقد عززتْ الكاريزما النادرة التي تَحلّى بها، وقدرتُه على إدارة حربٍ نفسيةٍ ضد العدو وتعبئةِ الجماهير، والقراراتُ الإستراتيجيةُ التي اتّخذها بعد حرب 2006 من مكانته، وتوقّف مجلس الشورى عن عقْد انتخاباتٍ للمنصب.

وفي حين جلبتْ قيادةُ نصرالله الاستقرارَ والوحدةَ لـ «حزب الله»، ظلّ مجلسُ الشورى السلطةَ النهائية داخله.

ويتألف المجلس من أفراد مسؤولين عن جوانب مختلفة من المنظمة، من الأمور السياسية والعسكرية، إلى الشؤون الدينية والاجتماعية.

ويَسمح هذا الهيكل المؤسسي للحزب بتحمُّلِ واستيعاب خسارة أي زعيم منفرد، حيث يتم اتخاذ القرارات في شكل جَماعي وليس من جانب واحد.

المجلس الجهادي

يُشْرِفُ المجلسُ الجهادي، وهو أعلى هيئة عسكرية لـ «حزب الله»، على كل العمليات والإستراتيجيات العسكرية. وهو يتألف من كبار القادة الذين يشرفون على الوحدات العسكرية المختلفة للمنظمة، المنتشرة في كل أنحاء لبنان. ولا يشارك هؤلاء القادة في شكلٍ مباشرٍ في العمليات العسكرية.

فأعضاء المجلس الجهادي لا ينخرطون بالقتال في الخطوط الأمامية، بل يقومون بدلاً من ذلك بتنسيق وتخطيط وتوجيه الحملات العسكرية، والاحتياجات اللوجستية، واختيار القادة واستبدالهم في وقتِ الحرب.

ومن المهمّ أن نلاحظ أن نصرالله وكبار قادة المجلس الجهادي الذين يُطلَق عليهم أيضاً اسم المعاون الجهادي (للقائد الأعلى للمجلس أي الأمين العام)، لم يشاركوا جسدياً في القتال.

وكانت أدوارُهم إستراتيجيةً إلى حد كبير، حيث أشرفوا على العمليات العسكرية وضَمَنوا التنسيقَ بين مقاتلي «حزب الله» وفاعليتَهم في ساحة المعركة.

ولم تنبع هيبةُ هؤلاء القادة وسلطتُهم من المشاركة الشخصية في المعركة، بل من نجاح المقاتلين تحت قيادتهم.

ولم تُفْقِدْ خسارةُ العديد من الأعضاء الرئيسيين في المجلس الجهادي، «حزب الله» قدراته العسكرية التي ظلّتْ قوية.

ورغم أن القادة الذين لقوا حتفهم يحظون باحترامٍ كبير، لكن قوةَ المنظمة تأتي من مهارة المقاتلين والإستراتيجيات العملياتية التي تمّ تدريبُهم على تنفيذها. وقد تمكّنت الوحداتُ العسكرية للحزب من التكيّف ومواصلة عملياتها من دون أي عوائق، ما يدل على مرونةِ هيكل المنظمة.

التدقيق الداخلي والإجماع

باعتبارها منظمة خاضعة لسيطرةٍ مشدَّدةٍ وتَسَلْسُلٍ هَرَمي، فمن المرجَّح أن تكون لدى «حزب الله» عملية تدقيق صارمة قبل قبول أعضاء جدد في مجلس الشورى.

ويقوم الأعضاء الحاليون بتقييم المرشّحين على أساس ولائهم والتزامهم بأهداف الحزب وقدراتهم القيادية. وتَضمن الطبيعةُ الجَماعيةُ لقيادة الحزب عدم ممارسة أي فرد لسلطةٍ غير مقيَّدة، ما يعني أن أي عضو جديد سيتطلب موافقةً واسعةَ النطاق من القيادة الحالية.

كما يشارك رؤساء الوحدات وغيرهم من القادة العسكريين وغير العسكريين من المستوى الأدنى رتبةً في اختيار أعضاء الشورى والأمين العام، وهي العمليةُ التي من المتوقَّع أن تُستأنف بمجرد انتهاء الحرب.

اترك تعليق