قبل أن يكون وَقْفُ النار في لبنان دَخَلَ أسبوعَه الثاني (بعد غد) يُفترض أن يكتملَ عَقْدُ لجنةِ الإشراف على تنفيذ مندرجاته وإجراءاته (تتمحور حول القرار 1701) ويبدأ تفعيلُ آليةِ الرقابة بعد وضْع «المراسيم التطبيقية» ودقائقها بما يزيلِ أي التباساتٍ في ما خص بعض النقاط، فينطلق فعلياً قطارُ ترجمةِ اتفاقٍ يوازي المضمرُ فيه المُعْلَنَ أهميةً وربما يَفوقه نظراً إلى ارتباطه بمرحلةٍ تحتمل وَصْفَ «التأسيسية» على صعيد خروج «بلاد الأرز» من مدار معادلاتٍ زجّتْه في «أفواه البراكين» وفوهات المدافع وفي عين أزماتٍ داخلية عاتية تقترب من إطفاء «شمعة» الـ 20 عاماً.
ولم يكن عابراً أن الوطنَ الصغيرَ الذي لم «يَسْتَفِق بعد» كلياً من تأثير كابوسِ الحرب الأكثر تَوَحُّشاً التي فتكت به على مدى الأيام الـ 65 خصوصاً التي سبقتْ وقف النار، وَجَدَ نفسه مشدوداً على مدار الساعة إلى التطورات الدراماتيكية في سورية التي احتلّت رادار الاهتمامات الإقليمية والدولية نظراً إلى تشظياتها المحتملة في أكثر من اتجاه، وسط عدم «انقشاع الرؤية» بالكامل حيال «سرّ» الاندفاعة العسكرية للفصائل المسلحة المُعارِضة على مثلث حلب وإدلب وحماه والمدى الذي يُمكن أن تبلغه، رغم الاقتناعِ بأن «خواتيمها» ستتقاطع، في مكان أو آخَر، عند «القرار الكبير» بقطْع أذرع إيران في المنطقة وقفْل «الممر الآمن» لتسليحِ «حزب الله»، انسجاماً مع موجباتِ «اليوم التالي» للحرب في لبنان.
وفي وقت كانت تل أبيب تُرْسي «النسخةَ الإسرائيلية» من وَقْفِ النار والتي اختصرها وزيرُ المال بتسلئيل سموتريتش بعبارةِ «لن ننتظرَ أي آلية وسنواصل العمل لإحباط أي تهديد أو محاولة من حزب الله لاستعادة قدراته»، وسط مخاوف متصاعدة عبّرتْ عنها فرنسا – «الشريكة» في الإشراف على تنفيذ الاتفاق – من أن ينهار تحت وطأة عشرات الخروق اليومية الإسرائيلية التي يُراد منها تأكيد وجود «منتصر ومهزوم» في الحرب وفرْض قواعد لتنفيذٍ يشمل البنى التحية والمنشآت العسكرية لـ«حزب الله» في كل لبنان، بدت بيروت في وضعية تَرَقُّبٍ لحَدَثين بارزيْن يمكن من خلالهما تَلَمُّس المزيد من آفاق مرحلة «ما بعد العاصفة»:
– الأول القمة الخليجية الـ 45 في الكويت، باعتبار أنها ستؤشر إلى كيفية مقاربة دول مجلس التعاون ما سيكون في لبنان، ومرتكزاتِ استعادته مكانته – بناء على مسار سياسي تُشكّل قاطرته الانتخابات الرئاسية ومآل مندرجات وقف النار – بين أشقائه الذين لطالما شكلوا «حزام الأمان» له، في كل مرة استخدمه الآخَرون، من داخل وخارج، «حزاماً ناسفاً» في مشاريع إقليمية اقتيدَ إليها وانكشف كل واقعه عليها، إلى أن حلّت «الكارثة الكبرى».
– والثاني زيارة الدولة المرتقبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للرياض بين اليوم والأربعاء، حيث سيكون ملف لبنان حاضراً بقوة في المباحثات مع وليّ العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان، إلى جانب حرب غزة والتطورات في سورية والمنطقة.
علماً أن باريس والرياض لطالما نسّقتا في ما خص القضية اللبنانية خصوصاً ابتداء من ديسمبر 2021، وكلاهما عضو في «المجموعة الخماسية» (حول لبنان) التي تسعى لإيجاد إطارٍ يساعد في الإفراج عن الانتخابات الرئاسية وإنهاء الفراغ الذي دخل أمس شهره الـ 26.
ويكتسب مجمل هذا الحِراك أهميته هذه المرة باعتبار أنه يترافق مع تحديدِ رئيس البرلمان نبيه بري 9 يناير المقبل موعداً لجلسة انتخابٍ، يُرجّح في شكل كبير أن تنتهي إلى تصاعُد «الدخان الأبيض» من دون أن يكون ممكناً بعد الجزم بمَن سترسو عليه الرئاسة، رغم الاقتناعَ بأن سليمان فرنجية (مرشح «حزب الله» وبري) «خرج من الصورة» باعتبار أن احتواء تداعيات الحرب لا يمكن أن تكون على قاعدة «مكافأة» الحزب سياسياً و«تعويضه» ما خسره «بالنقاط» فيها – والذي تسعى إسرائيل إلى تعميقه على طريقة «القضم» في الفترة المقبلة – ومن دون أن يعني ذلك بالضرورة أن حظوظ قائد الجيش العماد جوزف عون المرتفعة كافية لضمان دخوله قصر بعبدا.
كما أن توقيتَ زيارة ماكرون للسعودية يتزامن مع الوصول المفترَض (خلال ساعات) للضابط الفرنسي المُشارك في لجنة المراقبة على تنفيذ اتفاق وقف النار، بعدما كان الجنرال الأميركي جاسبر جيفرز وصل ليملأ مقعد الرئاسة الذي يتشاركه مع «النصف المدني» الثاني الأميركي، الموفد آموس هوكشتاين (بانتظار تعيين مدنيّ دائم بعد 20 يناير)، علماً أن اللجنة تضم في عضويتها أيضاً ضباطاً من الجيشين اللبناني والإسرائيلي و«اليونيفيل».
وإذ يُنتظر أن تعقد «الخماسية» أول اجتماعاتها في الساعات الـ 24 المقبلة ليبدأ الإشراف على مراحل الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب وانتشار الجيش اللبناني جنوب الليطاني خلال مهلة الـ 60 يوماً، سيشكّل هذا الاجتماع أول اختبار لآلية الشكاوى الإسرائيلية في ما خص ما تَعتبره انتهاكاتٍ من «حزب الله» ذات صلة بواقعه العسكري في عموم لبنان وأي إدخالٍ للسلاح عبر المعابر أو نقله داخلياً، وهل ستلتزم بـ «إزالة التهديد» بعد منْح فرصة من اللجنة (يتعين تحديد فترتها الزمنية) للجيش اللبناني بمعالجتها أم ستتصرف تلقائياً كما تفعل منذ سريان الهدنة، وهل ستوقف عملياتها من نسف منازل ومواقع داخل شريط البلدات التي احتلّتها على الحافة الحدودية أو «قبضت عليها» بالنار (يتجاوز عددها 72) حظرت الدخول إليها.
ولم يكن عادياً أمس، ما نقلته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، من أن «فرنسا حذرت إسرائيل من انهيار وقف النار في لبنان»، وأن «الفرنسيين أوضحوا أنه في اليوم الأخير وقع 52 خرقاً إسرائيلياً لوقف النار لم يمر عبر آلية المراقبة»، وأن باريس أبلغت إلى تل أبيب أن خروقها في اليوم الأخير أسفرت عن مقتل 3 لبنانيين، وأن مسيَّرات بدأت بالتحليق مجدداً على ارتفاع منخفض فوق بيروت.
في موازاة ذلك، ذكرت صحيفة «معاريف» أن سلاح الجو «يشغل في أي وقت عدداً كبيراً من المقاتلات والمسيرات التي تقوم بدوريات في سماء لبنان»، مشيرة إلى أن «هذه الطائرات تعمل على تحديد أماكن خروق اتفاق وقف النار وأيضاً على مراقبة عناصر حزب الله الذين يحاولون الوصول إلى قرى جنوب لبنان لحفظ الأسلحة والذخيرة»، ولافتة إلى أنه «جرى رصد محاولات عناصر عديدة لتشغيل منصات إطلاق الصواريخ، لكن من المشكوك فيه إذا كانوا يعتزمون إطلاق النار باتجاه الأراضي الإسرائيلية».
وتابعت الصحيفة أن «إسرائيل عازمة على الرّد بالنار ضدّ أي انتهاك لاتفاق وقف النار»، وأضافت «يقدر الجيش أن هذه الحقيقة ستتأسس في لبنان وفي صفوف نشطاء حزب الله خلال فترة قصيرة».
وكان مساء السبت شَهِدَ عودةَ تحليق المسيّرات على علو منخفض جداً فوق بيروت والضاحية الجنوبية بالتزامن مع المراسم التأبينية التي دعا إليها الحزب في مكان اغتيال الأمين العام السابق السيد حسن نصرالله في حارة حريك، في وقت أفيد بأن قائد الجيش تواصل مع جيفرز، وأن لبنان أجرى اتصالات دبلوماسية لوقف الانتهاكات وبينها مع هوكشتاين الذي نُقل عنه «ضرورة التزام كل الأطراف بالاتفاق، وإدراك الحاجة الأكيدة للجميع إلى ترسيخ الهدوء والاستقرار على جانبيْ الحدود وتنفيذ كل الإجراءات المطلوب القيام بها خلال فترة الـ 60 يوماً».
وفي واشنطن، عين الرئيس المنتخب دونالد ترامب، رجل الأعمال اللبناني – الأميركي مسعود بولس مستشاراً رفيع المستوى للشؤون العربية وشؤون الشرق الأوسط.
وقال ترامب، في بيان، إن بولس «محامٍ بارع وقائد محترم للغاية في عالم الأعمال، يتمتع بخبرة واسعة على الساحة الدولية».