رغم العراقيل البارزة التي كانت لا تزال تعترض صدور مراسيم حكومة نواف سلام، قَصَد الرئيس المكلّف قصر بعبدا للمرة الثالثة خلال 22 يوماً، وتشاور مع رئيس الجمهورية جوزف عون في تشكيلة كانت تتضمّن ما يكفي من الألغام المانعة للإنفراجة الحكومية.
قبل توجّه سلام إلى القصر مساء أمس سرّبت معطيات عن حصول “القوات” على أربع حقائب منها، حقيبة الخارجية “السيادية” على أن يتولاها سفير لبنان السابق في الأردن يوسف رجّي المقرّب من القوات بدلاً من ناجي بو عاصي الذي طرحه رئيس الجمهورية، لكن كلام سلام بعد خروجه من الاجتماع أوحى بأنّ العقد لا تزال على حالها، مسيحياً وسنّياً وأرمنياً وشيعياً.
مساء، وبعد مغادرة سلام القصر الجمهوري تقاطعت المعطيات عند احتمال إعلان الحكومة خلال 48 ساعة، بعد بلوغ التأليف أمتاره الأخيرة لجهة ما تبقى من هذه العقد ومنها حسم المقاعد القواتية الأربعة والوزير الشيعي الخامس، والحصّة السنية، والسؤال الأكبر: هل تركت “الفتافيت” لجبران باسيل؟ وهل يقبل بحقيبة السياحة التي أسندت إلى التيار الوطني الحر؟
تحدّث سلام عن حكومة يريدها على “درجة عالية من الانسجام بين أعضائها وملتزمة مبدأ التضامن الوزاري، وهذا الأمر ينسحب على كل الوزراء”، مشدّداً على “حكومة إصلاحات تضمّ كفاءات عالية، ولن أسمح أن تحمل إمكان تعطيل عملها بأي شكل من الأشكال”.
كما تحدّث عن مواجهته “لعادات موروثة وحسابات ضيّقة، وسأتصدّى لها عبر الالتزام بتطبيق الدستور”. وقال: “ليس في الدستور ما يمنع عدم توزير حزبيين ومرشّحين للانتخابات. وأنا اخترت فعالية العمل الحكومي على مخاطر التجاذبات السياسية”.
لعل أكثر الأدلة التي حَسَمت عدم استواء الطبخة الحكومية هو عدم طرق الرئيس المكلّف باب النائب جبران باسيل بعد.
فأبعد من كل المآخذ التي أعلنها رئيس التيّار الوطني الحرّ، في مؤتمره الصحافي بعد صمت أسابيع، في شأن مسار تأليف الحكومة، تجزم مصادر مطّلعة بأنّ “نقاشات الرئيس المكلّف مع كافة الكتل النيابية لم تشمل، ورغم مرور 25 يوماً على تكليف سلام، النائب باسيل كما حدث مثلاً مع الفريق الشيعي والقوات والنواب السنّة”.
يعتبر باسيل أن الترويج لهذا الواقع خطة خبيثة لتبرير تطييره من الحكومة أو “زمّ” حصّته
يقول رئيس التيّار أمام زواره: “ربما أراد أن يتركني للآخر”، ويعلّق مازحاً: “أعتقد أنّها عملية التأليف الأسهل بالنسبة لي والأقلّ وجعاً للرأس لأني لست في صلب غرفة عمليات التأليف، الأمر الذي كان يستنزف وقتي وأعصابي”.
“تَعرُض الحقيبة وأسمّي“
وفق المعلومات، منذ اللقاء الذي جَمَعَ باسيل ونواب التيار مع الرئيس المكلّف خلال نهار الاستشارات النيابية غير المُلزمة طَرح باسيل عدّة أسئلة أمام سلام: “هل المعيار هو تمثيل الأحزاب والأخذ بالأحجام النيابية للجميع، أم لا؟ فكان ردّ سلام بأنّ الأحزاب خارج الحكومة، وليس بالضرورة الأخذ بمعيار الالتزام بحجم كل الكتل النيابية، باستثناء الوازنة منها”.
كما شَرَح باسيل لسلام مفهومه لتشكيل الحكومة كالآتي: “وحدة المعايير، فما ينطبق على الآخرين ينطبق علينا”، رافضاً “صيغة حكومة التكنوقراط التي أثبتت فشلها”، ومؤكّداً بأنّه “سيسهّل عملية التأليف. أنت تعرض الحقائب علينا وأنا أسمّي اختصاصيين محسوبين على التيّار، إذا تمّ الأخذ بهذا المعيار مع باقي الكتل”.
جعجع بدلاً من باسيل!
حتّى الآن، لم يَحسم باسيل قرار مشاركته في الحكومة من عَدمه، فالحكومة نفسها لا تزال “تعلّ”، وربما قد تستنزف المزيد من الوقت على الرغم من التفاؤل الذي طَبَع بعض المحيطين بسلام أمس.
وفق المعلومات، يُحاذِر رئيس التيّار بشكل كبير الوقوع في فخّ قد يُستدرَج إليه بإحراجه لإخراجه، لا سيّما وأنّ معطيات تتقاطع لدى باسيل بأن الجوّ الخارجي، وجزء كبير من الداخل، يفضّل أن يُستبدل التمثيل الباسيلي بالقواتي في حكومة العهد الأولى، بالرغم من معاناة معراب مع الرئيس المكلّف.
الحكومة
سَمِع باسيل من خلال التسريبات بعرض حقيبة الأشغال عليه، ليتبيّن لاحقاً أنّها من نصيب الحزب الاشتراكي، ثم حقيبة السياحة. لن يرضى باسيل بأقلّ مما سيجيّر للقوات، بحكم الحجم التمثيلي المسيحي، مع شبه استسلام من جانبه بأنّ أمر الحقائب المسيحية هو اليوم بيد رئيس الجمهورية بحكم الأمر الواقع.
وفق المعلومات، يُحاذِر رئيس التيّار بشكل كبير الوقوع في فخّ قد يُستدرَج إليه بإحراجه لإخراجه
كلفة الخروج من الحكومة
كبرى مفارقات التأليف شنّ القوات معركة حقيقية لِحصد حقيبة الخارجية، فيما باسيل يُسلّم سلفاً، وللمرة الأولى منذ دخول التيّار الحكومات، بأن هذا الأمر غير ممكن حالياً بحكم المناخ الدولي الذي مهّد الطريق لانتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية وتكليف نواف سلام، واهتزاز “الحلقة السلطوية” التي طبعت تأليف الحكومات على مدى عقود، وباسيل جزء منها.
وفق مصادر باسيل لن يقبل الأخير بتسمية الرئيس المكلّف أي وزير تكنوقراطي واعتباره من حصّة التيّار، وعندها سيتبرّأ من التسمية. لكن يبقى قرار المشاركة رهن اللحظات الأخيرة، مع احتمال قبول التيّار بحقيبتيّن شرط حق التسمية، كون كلفة الخروج من الحكومة عالية جداً بالنسبة إليه.
واجَه باسيل عملية التأليف بشيئ من الاستيعاب والإيجابية. وهو يقرّ في حلقته الضيّقة بأنّه “إلى حين عقد مؤتمره الصحافي يوم الثلاثاء لم أتلق أي عرض بالحقائب، لكن في الوقت نفسه لم يَحصل أي تصرّف يستفزّني ولم ألمس حتى الآن أي نفس إقصائي، كما حصل مع القوات والسنّة والأرمن”.
هنا تفيد المعلومات، أنّه بعد رفض “الطاشناق” تسمية سلام للفنان غي مانوكيان لحقيبة الشباب والرياضة، لجأ الرئيس المكلّف إلى مطران الأرمن من أجل المساعدة في إقناع النائب آغوب بقرادونيان، فأحاله المطران مجدداً إلى الطاشناق”!
مُهلة سماح
حتى الآن، وقبل إعلان الحكومة، يشي مسار باسيل بالآتي:
– رسائل إيجابية باتّجاه رئيس الجمهورية، والتأكيد على دعم العهد. هنا يقول متابعون بأنّ “باسيل يرغب بإعطاء رئيس الجمهورية مهلة سماح، وبعدها في حال التصادم سيلجأ للمعارضة حتّى من داخل حكومات العهد”. كان لافتاً قول باسيل: “لا نقبل، غير لرئيس الجمهورية، أن يُسمّي الوزراء المسيحيين، وأن يأخذ حصّة وازنة في الحكومة”.
– مواجهة أي محاولة لإبعاد التيّار عن الحكومة ما سيشكّل سابقة منذ العام 2008، تاريخ مشاركة وزراء التيّار للمرة الأولى في الحكومة برئاسة سعد الحريري. وهو مسارٌ طويل نَصّب باسيل حاكماً بأمره في بتّ الحصص المسيحية.
شَرَح باسيل لسلام مفهومه لتشكيل الحكومة كالآتي: “وحدة المعايير، فما ينطبق على الآخرين ينطبق علينا”
– بموازاة رفضه استبعاد الأحزاب لصالح وزراء تكنوقراط، وضرب وحدة المعايير، والمطالبة بتصحيح مسار التأليف على قاعدة دعم الحكومة من قبل الكتل الكبيرة وليس “الأفراد المتلوّنين”، فإن باسيل حاول إرسال رسائل واضحة بأن ليس هناك من حلف سياسي مع الثنائي يسمح بتعطيل الحكومة. يعتبر باسيل أن الترويج لهذا الواقع خطة خبيثة لتبرير تطييره من الحكومة أو “زمّ” حصّته.