عبدالله بوحبيب: منعت إسرائيل وقف النار إلى أن اغتالت نصرالله

يروي الوزير السابق للخارجية عبدالله بوحبيب وقائع أكثر من محاولة جرّبها لبنان للتوصّل إلى وقف للنار في الجنوب، وفصله عمّا يجري في حرب إسرائيل على غزة، كانت تصطدم مرّة تلو أخرى بفيتو مزدوج: أحدهما إسرائيليّ تحمله الولايات المتّحدة، والآخر من “الحزب”. كلاهما تمسّك بالمضيّ في الحرب إلى أن انتهت إلى ما آلت إليه في 27 تشرين الثاني 2024.

في مدوّنات عبدالله بوحبيب عن تلك الوقائع ما يلي:

كنت في واشنطن يوم أعلنت حماس في 7 تشرين الأوّل 2023 حرب “طوفان الأقصى” على إسرائيل، واخترقت غلافها. للتوّ خابرتُ من هناك وزارة الخارجية في بيروت أسأل هل توافرت لديها معلومات عن ردّ فعل “الحزب” واحتمال انخراطه فيها، انسجاماً مع ما كان يدلي به في السنوات المنصرمة من أنّه لن يترك فلسطين، مهدِّداً إسرائيل. أتاني جواب مبدئي بعد مراجعة مسؤولين في “الحزب” بأنّهم فوجئوا بما حصل وبحجم الحدث، وهم يراقبون التطوّرات دونما الإيحاء بنيّتهم التحرّك أو الدخول في الصراع. لم تكد تمضي ساعات، في 8 تشرين الأول، حتى أعلن “الحزب” دخوله تلك الحرب باسم الإسناد والإشغال لتخفيف وطأتها على غزة بعدما باشرت إسرائيل غاراتها العنيفة عليها.

عدتُ إلى بيروت في اليوم ذاته وبدأت سلسلة اتّصالات، أوّلها مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، واتّفقنا على أن يطالب لبنان بتنفيذ القرار 1701 بمندرجاته كلّها، وعلى أن لا يغيب عن المنابر الإقليمية والدولية. بعدذاك بدأ وزراء الخارجية الأوروبيون ينصحوننا بعد زياراتهم لإسرائيل بتدارك الأسوأ لاحقاً، والعمل على إخراج “الحزب” والجنوب من الحرب. لم يسع الدولة اللبنانية سوى مراقبة تدحرج كرة النار، بينما يتصاعد لهيبها بعنف في غزّة وتدريجاً في الجنوب. تمدّدت من مزارع شبعا حيث بدأت في اليوم الأوّل تعبيراً عن أنّ الأمر لا يعدو كونه إسناداً وإشغالاً، وصولاً إلى الخطّ الأزرق، ثمّ توسّعت الاشتباكات بين الطرفين يوماً تلو آخر إلى أن بلغت قرانا وبلداتنا وراء الخطّ الأزرق، باستهدافها بالغارات والقصف واستهداف مقاتلي “الحزب” في مواقعهم.
يروي الوزير السابق للخارجية عبدالله بوحبيب وقائع أكثر من محاولة جرّبها لبنان للتوصّل إلى وقف للنار في الجنوب، وفصله عمّا يجري في حرب إسرائيل على غزة

التّضحية لأجل فلسطين

في كانون الأوّل 2023 خطرت لي فكرة وددت أن تكون جسّ نبض أوّليّاً. لم أطلع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عليها، واكتفيت باستمزاج آراء جهات يسعها أن تساعدنا على وقف النار في الجنوب، في محاولة فصل ما يجري على أراضيه عن حرب غزة. لم يكن الإسناد والإشغال قد أظهرا جدواهما في تخفيف الحرب على غزة ولا في وقف الغارات عليها وتدميرها، ولا في إعفاء الجنوب من أثمان مماثلة. إذاً نحن في قلب لعبة النار المتدحرجة بلا أفق زمنيّ. خطرت في بالي في أثناء نقاش داخلي مع أحد مساعديّ فكرة كيف يمكن “إنزال “الحزب” عن الشجرة” وحفظ ماء وجهه وحماية لبنان بعدما تردّدت الرسائل الإسرائيلية عبر وزراء وموفدين أجانب كانوا ينقلون عن الإسرائيليين أنّ عقليّتهم تغيّرت بعد 7 تشرين الأوّل، وهم سيعيدون سكّان الشمال بالقوّة إن لم تحلّ المشكلة في مدّة أقصاها نهاية الصيف.

تحدّثتُ إلى السفير الفرنسي هيرفي ماغرو، وكنت أعرفه لسنوات خلت عندما كان في واشنطن، وسألته عن احتمال دعم باريس وقفاً للنار في جنوب لبنان نتقدّم به لدى مجلس الأمن، فردّ بالترحيب بعد تشاوره مع حكومته. بعد أيّام كنت أشارك في اجتماع في الجامعة العربية في القاهرة، فأثرت مع نظيري الجزائري أحمد عطّاف الفكرة نفسها لأنّ بلاده كانت تمثّل آنذاك المجموعة العربية في مجلس الأمن، فأجابني موافقاً قبل أن يقول: “أنتم في لبنان ضحّيتم من أجل القضية الفلسطينية ليس أكثر من أيّ بلد عربي آخر فحسب، بل أكثر ممّا فعلت الدول العربية كلّها مجتمعة”.

لدى عودتي تكلّمتُ مع مسؤول في “الحزب” في الأمانة العامّة على تواصل دوريّ معه، عارضاً عليه الاقتراح مع إطلاعه على الاتّصالات التي أجريتها في هذا الصدد، والتجاوبين الفرنسي والجزائري، وتوقّعي في حال عرضنا الطلب على مجلس الأمن مواجهة فيتو أميركي، وبذلك نُحرج الأميركيين ونظهر دورهم في الحؤول دون وقف النار. إلّا أنّ محدّثي طلب مهلة للردّ ودرس الاقتراح. لم أتردّد في مصارحته بخروق تستهدف “الحزب” تجعله مكشوفاً على إسرائيل، من الخارج ومن الداخل. أضف إلى ذلك أنّ الفريق الآخر من اللبنانيين ليس معه وإن كان عاجزاً عن منعه من الاستمرار في الحرب، والمواجهة العسكرية مع إسرائيل غير متكافئة لتفوّقها في سلاح الجوّ، فيما “الحزب” لا يملك أسلحة مضادّة له، ووجود مليونَيْ سوري لا يكنّون أيّ ودّ لـ”الحزب” لدوره في الحرب السورية. بالطبع لم يعلّق.
لم يسع الدولة اللبنانية سوى مراقبة تدحرج كرة النار، بينما يتصاعد لهيبها بعنف في غزّة وتدريجاً في الجنوب

الحزب وواشنطن: لا وقف لاطلاق النار

اجتمعت بالسفيرة الأميركية دوروثي شيا، وكنّا لا نزال في كانون الأوّل عشيّة مغادرتها لبنان نهائياً الشهر التالي كانون الثاني 2024، مُسهباً أمامها في شرح الواقع اللبناني الحالي: شغور رئاسي، نزاع من حول حكومة الرئيس ميقاتي، انهيار اقتصادي أقرب إلى الإفلاس، تدهور أمنيّ في الجنوب ونزوح وتهجير، علاوة على مليونَيْ نازح سوري على أراضينا ونصف مليون فلسطيني.

أجابتني أنّ عليها أوّلاً عرض الاقتراح على إدارتها. جاء الجواب بعد أيّام برفض واشنطن وقف النار، ونصحتني بعدم طلب اجتماع مجلس الأمن لأنّ إدارتها لا تستسيغ استخدام الفيتو.

بالتزامن ورد جواب “الحزب” مطابقاً للموقف الأميركي: رفض وقف النار في الجنوب فقط.

في الأشهر التالية بين كانون الأوّل 2023 ونيسان 2024 لم يسعنا اتّخاذ أيّ مبادرة، مع تصاعد وطأة الحرب بين “الحزب” وإسرائيل التي راحت تغتال قادة ميدانيين في الجنوب، وتمعن في التدمير وإحراق القرى والأحراج في أنحاء واسعة فيه. آنذاك أقبل نظرائي والموفدون الأوروبيون والموفد الأميركي آموس هوكستين ينصحوننا بوقف هذا التورّط والضغط على “الحزب” للخروج من الحرب لأنّ ما ينتظرنا أدهى. لم يتردّدوا في القول إنّ إسرائيل ستجتاح الأراضي اللبنانية وتدمّر هذا البلد استناداً إلى ما كانوا يسمعونه منها. بينهم مَن اقترح أن يوقف “الحزب” النار من طرف واحد لمدّة 48 ساعة لكشف الذريعة الإسرائيلية.

سمعتُ كلاماً مماثلاً من الرئيس الأعلى للاتّحاد الأوروبي للسياسة الخارجية والأمن جوزيب بوريل في تشرين الثاني 2023 في بروكسل، وكان آتياً لتوّه من إسرائيل. قال: “كنّا وضعنا لبنان على الرفّ على غرار الملفّ الليبي المستعصي الحلّ. لا رئيس عندكم ولا تريدون إجراء إصلاحات، فتركناكم. الآن اندلعت الحرب في غزة فعدنا إلى الاهتمام بكم. الحرب أعادتكم إلى خارطتنا. الإسرائيليون سيهاجمونكم إن لم يوقف “الحزب” الحرب. ذلك ما أكّده لي الإسرائيليون في اجتماعي الأخير بهم”. في هذا الاجتماع نقل إليّ بوريل اقتراحاً من وزير الخارجية الإسرائيلي بعقد اجتماع بيني وبينه، فرفضت على الفور نظراً إلى عدم فائدة حصوله.

أحطتُ “الحزب” علماً بكلّ التحذيرات التي كانت تصل إلينا مباشرة أو بالواسطة، دونما أن يتزحزح عن الإصرار على المضيّ في الحرب وربط جبهة الجنوب بجبهة غزة.

فاتحت رئيس الحكومة للمرّة الأولى باقتراح وقف النار في أيار 2024، بعدما أطلعته على مسعاي السابق، فأجاب متحمّساً: “جرِّب”.

زرت الرئيس نبيه برّي وحدّثته، فسأل: “هل يمكننا النجاح فيه؟”.

أضاف: “خلّينا نشوف رأي الإخوان؟”.

إلقاء ظلال من الشكّ أشعرني مجدّداً بعدم موافقة “الحزب” سلفاً.

تواصلتُ مع محاوريّ الاثنين المؤثّرين في فرصة وقف النار “الحزب” والأميركيين.

أعدتُ أمام مسؤول “الحزب” دوافع محاولتي مع تأكيدي أنّ الإسناد والإشغال ضاعفا تدمير غزة ولبنان. وعد بالردّ من دون أن يعود به. كانت إشارة إضافية سلبية إلى استمرار عناد “الحزب” في هذه الحرب العبثية، ورفضه فصل جبهة الجنوب عن جبهة غزة.
في 20 أيلول كان أمام جلسة مجلس الأمن، على جاري العادة، أحد ثلاثة خيارات: قرار أو بيان رئاسي أو بيان صحافي

لن أترك فلسطين

اجتمعتُ بالسفيرة الأميركية الجديدة ليزا جونسون الآتية حديثاً لأشهر خلت وأعدتُ عليها الاقتراح نفسه وعلى دوروثي شيا. تريّثت في الجواب، ثمّ أتت به عبر رسالة نصّية على هاتفي: “لا”.

في وقت لاحق التقيتُ بها واستفسرت منها هل سألت إدارتها إسرائيل أم كان جواب الإدارة فحسب؟

قالت: “سألناها ورفضت. يمكن لواشنطن تفهّم موقف لبنان ومعاناته”.

حملتُ الموقف الأميركي إلى “الحزب” للمرّة الثالثة أطلب موافقته على التقدّم بطلب من مجلس الأمن لعقد جلسة لوقف النار في جنوب لبنان فقط، وإحراج الولايات المتحدة أمام الرأي العامّ الدولي بفضح نزوعها إلى استمرار الحرب على لبنان إذا استخدمت حقّ النقض. للسبب نفسه كنت أعي أنّ الأميركيين لن يبدّلوا في موقفهم ولا يريدون استخدام الفيتو لتفادي إحراجهم. لم يأتِ ردّ “الحزب”.

عزّز اقتناعي بأنّ الحرب لن تتوقّف وستكبّدنا بعد الكثير الكثير، ما نقله إليّ أحد الأصدقاء المطّلعين على ما قاله الأمين العامّ لـ”الحزب” السيّد حسن نصرالله في اجتماع مجلس الشورى: “منذ أن تركنا الحسين لا نزال في عاشوراء. لا أريد أن يُقال عنّي بعد ألف سنة إنّني تركت فلسطين”.

إذّاك أدركتُ أنّ موقف “الحزب” أكثر من كونه سياسياً، بل هو قاعدة دينية عقائدية. للمرّة الثانية أخفق مسعاي.

بوصولنا إلى أيلول 2024 وقع تفجيرا أجهزة البيجر في 17 منه، واللاسلكي في 18 منه، وكان سبقهما قبل أسبوعين خلوَا في 30 تموز اغتيال إسرائيل مسؤولاً رفيعاً في “الحزب” هو فؤاد شكر، قيل إنّه القائد العسكري الأوّل. يوم انفجار أجهزة اللاسلكي طلب منّي الرئيس ميقاتي استعجال سفري إلى نيويورك، المقرّر في 21 أيلول، للمشاركة في الدورة العاديّة للأمم المتحدة، مؤيّداً اقتراحي الطلب من مجلس الأمن وقف النار.

عبر بعثتنا في نيويورك، طلبنا من مندوب الجزائر ممثّل المجموعة العربية بصفته عضواً غير دائم عقد جلسة لمجلس الأمن لإدانة التفجيرين. ليل 18 أيلول تواصل أحد دبلوماسيّي الوزارة مع مسؤول في دائرة العلاقات الخارجية في “الحزب” كنّا على صلة دائمة به، وأخطره أنّني سأطلب في نيويورك وقفاً للنار، فرفض للتوّ الفكرة. كنت قد خابرتُ علي حمدان مستشار الرئيس برّي لإطلاعه على الموقف المستجدّ، فلم يرِدني الجواب. قبيل منتصف الليل تلقّيتُ اتّصالاً من الرئيس برّي يسألني عمّا سأدلي به في جلسة مجلس الأمن في نيويورك يوم الجمعة 20 أيلول 2024. أجبته أنّني سأكتفي بطلب تطبيق القرار 1701 (لبنان) و2735 (غزة). وافق من غير اقتران ذلك بطلب وقف للنار في لبنان.

تيقّنتُ مجدّداً أنّنا لا نزال ندور في حلقة مفرغة: موقف “الحزب” كان لا يزال نفسه ومفاده رفض وقف النار، ورئيس البرلمان يسلّم به على مضض.

سافرت إلى نيويورك في 19 أيلول ووصلت غداة موعد جلسة مجلس الأمن. ما إن حططتُ أخبرني رئيس بعثتنا لدى الأمم المتحدة هادي هاشم أنّ آموس هوكستين يريد التحدّث معي من واشنطن. مساء اتّصلت به فسأل: “هل تطلب غداً وقفاً للنار؟”.

أجبت: “سأطلب تنفيذ القرارين 1701 و2735 وليس وقف النار في جنوب لبنان فقط”.

ردّ: “أنا سأطلبه”.

سألته هل يعتزم الحضور إلى نيويورك، فردّ بالنفي، ملمّحاً إلى أنّ الإدارة الأميركية في صدد محاولة وقف النار. وهو ما بات عليه البيان الأميركي ـ الفرنسي.

عراقتشي: إيران معنيّة بالرّدّ

بانعقادها في 20 أيلول كان أمام جلسة مجلس الأمن، على جاري العادة، أحد ثلاثة خيارات: قرار أو بيان رئاسي أو بيان صحافي.

كشف لي هادي هاشم أنّ مجلس الأمن مستعدّ لبيان رئاسي لا ترد فيه أيّ إدانة لإسرائيل. أتى هذا الجواب بعدما عزمتُ على تضمين موقف مجلس الأمن إدانة لإسرائيل على تفجيرَيْ أجهزة البيجر واللاسلكي نظراً إلى تداعياتهما. المفاجىء أنّ مندوبي الدول العشر غير الدائمين في مجلس الأمن أبدوا تفهّمهم وموافقتهم المبدئية على بيان الإدانة مضافاً إليهم اثنتان من الدول الدائمة العضوية، هما روسيا والصين، فيما رفضه مندوبو الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. راجع هادي هاشم المندوب الفرنسي مقترحاً إدانة الفعل في ذاته، كان بالجواب مفاجئ لي أيضاً برفض إدانة الفعل فقط، أي التفجير، من دون ذكر الفاعل، أي إسرائيل، واكتفاء البيان الرئاسي بتأييد سيادة لبنان واستقلاله ووحدة أراضيه. رفضتُ لعدم جدوى موقف كهذا وتجاهل ذيْنك التفجيرين نظراً إلى خطورتهما وإصابتهما آلاف الناس.

في اليوم التالي اقترح عليّ هادي هاشم استبدال “الإدانة” في التنديد بالتفجيرين بعبارة “عمل غير مقبول”. تشاور المندوب الفرنسي مع بعض زملائه وأتى بجواب مفاده عدم الإتيان على ذكر التفجيرين. بذلك فشل انعقاد الجلسة تبعاً لانقسام مجلس الأمن حول مضمون البيان الرئاسي الذي لم يصدر.

على هامش مشاركتي في جلسات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، اجتمعت في 22 أيلول بنظيري الإيراني عباس عراقتشي، وكان لقاءً جافّاً أبلغتُه فيه أنّ تصريحاً أصدره للتوّ وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي يقترح فيه وقفاً للنار يشمل لبنان، فردّ: “وقف النار في غزة أكثر أهمّية ( (more importantلأنّ أصل التوتّر في لبنان ما يحدث في غزّة”.

أجبته: “استمرار الحرب يعني أنّ إسرائيل قد تجتاح الأراضي اللبنانية”.

قال: “لا أحد يريد حرباً موسّعة باستثناء نتنياهو. إذا قرّر شنّها على لبنان فلن تبقى إيران غير مبالية (indifferent)”.

صباح 23 أيلول أبلغني زياد ميقاتي، مستشار رئيس الحكومة والعضو في الوفد اللبناني الرسمي إلى نيويورك، أنّ رئيس الحكومة في طريقه إلينا، على الرغم من عدوله قبل أيّام خلت عن السفر. في الغداة وصل بهدف المشاركة في جلسة لمجلس الأمن ستعقد في 26 أيلول بناء على طلب المندوب الفرنسي، سيعلن فيها وقف للنار أقرب إلى هدنة لمدّة 21 يوماً فسحاً في المجال أمام حلول سياسية، بناء على بيان أميركي ـ فرنسي نجم عن اتّفاق رئيسَيْ الدولتين جو بايدن وإيمانويل ماكرون. تردّد حينذاك أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيحضر إلى نيويورك ويعلن موافقته من منبر الجمعية العمومية للأمم المتحدة على بيان وقف النار.

بَانَ عندئذ سبب مجيء الرئيس ميقاتي إلى نيويورك. حينما سألته أجابني: “طلب منّي الرئيس برّي والأميركيون الحضور لأنّ بياناً بوقف النار سيصدر”.
قَلَبَ الاغتيال الحرب رأساً على عقب وقطع بالوقائع ما إن خسر “الحزب” قائده التاريخي، قبل الوصول إلى التوقيت الذي وافقت عليه إسرائيل لإعلان وقف النار

نصرالله لم يخبر الإيرانيّين

في اليومين التاليين اجتمعتُ مع الرئيس ميقاتي بوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن وآموس هوكستين، ثمّ مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان يرافقه عباس عراقتشي وتناولنا بيان وقف النار. ما إن خرجنا اقترب منّي نظيري الإيراني يسأل: “هل وافق “الحزب” على البيان؟”.

أجبته: “أنا مَن يجب أن أسألك؟ قال لي الرئيس ميقاتي إنّه موافق”.

استنتجتُ أنّ السيّد نصرالله لم يُخطر الإيرانيين بموافقته على البيان الأميركي ـ الفرنسي التي أبلغها إلى الرئيس برّي ومنه إلى الرئيس ميقاتي، وعلى أساس ذلك توجّه إلى نيويورك.

يوم الجمعة 27 أيلول كان موعد إلقاء بنيامين نتنياهو كلمته، التي لم يأتِ فيها على ذكر بيان وقف النار. ألقاها في العاشرة قبل الظهر في التوقيت المحلّي في نيويورك، لنصف ساعة. خرج بعدذاك إلى الردهة حيث الصحافيون وتحدّث إليهم قبل أن يحضر مَن يهمس له ويتوجّه إلى غرفة جانبية ما لبثت أن ظهرت على شاشات العالم.

اترك تعليق