كرّستْ خلاصاتُ المباحثاتِ البالغة الأهمية التي جرتْ في الرياض بين وليّ العهد السعودي رئيس الوزراء الأمير محمد بن سلمان ورئيس الجمهورية العماد جوزف عون الأسسَ لمرحلةٍ جديدة من العلاقات اللبنانية – السعودية من ضمن مسارٍ لتفعيلها وتطويرها يرتكز على خريطة الطريق الإصلاحية – السيادية التي سبق أن تعهّدتْ بيروت باعتمادِها كمنطلقٍ لإحياء مقومات الدولة وإعادة وصْل ما انقطع مع العالمين العربي والغربي بفعل تفكُّك المؤسساتِ وخروج لوحة «التحكّم والسيطرة» على التموْضع الاستراتيجي لـ «بلاد الأرز» وقرار الحرب والسلم بالكامل من يدها وصولاً إلى زجّها في «محرقة» غزة.
«عهد جديد»
وطَغَتْ زيارةُ عون للرياض، والتي عَنْوَنَتْ صحيفة «عكاظ» على صدر صفحتها الأولى أنها «عهد جديد للعلاقات السعودية – اللبنانية» على المَشهد في بيروت وحجبتْ حتى مشاركة رئيس الجمهورية في القمة الطارئة حول غزة، وذلك في ضوء الأبعاد فوق العادية لهذه المحطة التي اتسّمت في الشكل بحفاوةِ الاستقبال ومراسمه الرسمية التي أقيمتْ في قصر اليمامة وبدفء شخصي بين محمد بن سلمان والرئيس اللبناني ظهر في أكثر من صورة وفيديو، بالتوازي مع المضمون الذي عَكَسَ قراراً مشتركاً بتعزيز العلاقات على أن يكون الأمر في سياق مَأْسَسَةٍ وبالتدرّج المربوط بترجمة لبنان التزاماته في ما خصّ بناء الدولة، وهي التزاماتٌ أمام الشعب اللبناني بالدرجة الأولى، وعبّر عنها خطاب القسَم (لعون) والبيان الوزاري لحكومة الرئيس نواف سلام.
ولم يكن أدلّ من البيان المشترك الذي صدر في ختام الزيارة على تعويل الرياض أهمية على الشقّ السيادي من الالتزامات اللبنانية وتجاه «بلاد الأرز»، وصولاً إلى تحوّله جوهر المقدّمة التي اختارتْها «وكالة واس للأنباء» له وجاء فيها: «أكدت المملكة العربية السعودية والجمهورية اللبنانية، أهمية تعزيز العمل العربي وتنسيق المواقف تجاه القضايا المهمة على الساحتين الإقليمية والدولية. كما أكدتا أهمية التطبيق الكامل لاتفاق الطائف، وتطبيق القرارات الدولية ذات الصلة، وبسط الدولة سيادتها على كامل الأراضي اللبنانية، وحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، والتأكيد على الدور الوطني للجيش اللبناني، وأهمية دعمه، وضرورة انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من كل الأراضي اللبنانية».
وتضمن نص البيان أنه بدعوة من الأمير محمد بن سلمان «وانطلاقاً من العلاقات التاريخية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية اللبنانية، وتعزيزاً للعلاقات الثنائية بينهما»، قام عون بزيارة رسمية للمملكة، موضحاً أن ولي العهد نقل خلال استقباله الرئيس اللبناني «تحيات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وتمنياته لفخامته موفور الصحة والعافية، وللجمهورية اللبنانية وشعبها الشقيق المزيد من التقدم والرقي، وطلب فخامته من سمو ولي العهد نقل تحياته وأصدق تمنياته إلى خادم الحرمين الشريفين بدوام الصحة والعافية، وللشعب السعودي الشقيق النماء والرخاء».
وبحسب البيان، فقد عقد محمد بن سلمان وعون جلسة مباحثات رسمية «استعرضا خلالها العلاقات الثنائية الوثيقة بين البلدين، وسُبل تطويرها في المجالات كافة، وأن لبنان عضو أصيل في المنظومة العربية، وأن علاقاته العربية هي الضمانة لأمنه واستقراره. وتم تبادل وجهات النظر حول مجمل الأوضاع الإقليمية والدولية الراهنة، وأكد الجانبان أهمية تعزيز العمل العربي وتنسيق المواقف تجاه القضايا الهامة على الساحتين الإقليمية والدولية».
وأضاف: «اتفق الجانبان على البدء بدراسة المعوقات التي تواجه استئناف التصدير من الجمهورية اللبنانية إلى المملكة العربية السعودية، والإجراءات اللازمة للسماح للمواطنين السعوديين بالسفر إلى الجمهورية اللبنانية.»
وإذ أكد الجانبان «أهمية تطبيق ما جاء في خطاب القسم الرئاسي» الذي ألقاه عون بعد انتخابه «وأعلن فيه رؤيته للبنان واستقراره، ومضامين البيان الوزاري»، شددا على «أهمية التطبيق الكامل لاتفاق الطائف، وتطبيق القرارات الدولية ذات الصلة، وبسط الدولة سيادتها على كامل الأراضي اللبنانية، وحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية (…)»، واتفقا على «ضرورة تعافي الاقتصاد اللبناني وتجاوزه لأزمته الحالية، والبدء في الإصلاحات المطلوبة دولياً وفق مبادئ الشفافية وتطبيق القوانين الملزمة».
وفي ختام الزيارة أبدى عون «شكره وتقديره لأخيه خادم الحرمين الشريفين والأمير محمد بن سلمان على ما لقيه والوفد المرافق من حسن الاستقبال وكرم الضيافة»، فيما أعرب ولي العهد السعودي عن «أطيب تمنياته بالصحة والعافية» للرئيس اللبناني و«بمزيد من التقدم والرقي للشعب اللبناني الشقيق».
ووجّه عون دعوة للأمير محمد بن سلمان «لزيارة بلده الثاني لبنان وأعرب سموه عن تقديره لهذه الدعوة والترحيب بها».